الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { فَسِيحُواْ فِي ٱلأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱللَّهَ مُخْزِي ٱلْكَافِرِينَ }

وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: معنى البراءة انقطاع العصمة. يقال: برئت من فلان أبرأ براءة، أي انقطعت بيننا العصمة ولم يبق بيننا علقة، ومن هنا يقال برئت من الدين، وفي رفع قوله: { بَرَاءةٌ } قولان: الأول: أنه خبر مبتدأ محذوف أي هذه براءة. قال الفراء: ونظيره قولك إذا نظرت إلى رجل جميل، جميل والله، أي هذا جميل والله، وقوله: { مِّنَ } لابتداء الغاية، والمعنى: هذه براءة واصلة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم، كما تقول كتاب من فلان إلى فلان. الثاني: أن يكون قوله: { بَرَاءةٌ } مبتدأ وقوله: { مّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } صفتها وقوله: { إِلَى ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ } هو الخبر كما تقول رجل من بني تميم في الدار. فإن قالوا: ما السبب في أن نسب البراءة إلى الله ورسوله، ونسب المعاهدة إلى المشركين؟ قلنا قد أذن الله في معاهدة المشركين، فاتفق المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاهدهم ثم إن المشركين نقضوا العهد فأوجب الله النبذ إليهم، فخوطب المسلمون بما يحذرهم من ذلك، وقيل اعلموا أن الله ورسوله قد برئا مما عاهدتم من المشركين. المسألة الثالثة: روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى غزوة تبوك وتخلف النافقون وأرجفوا بالأراجيف، جعل المشركون ينقضون العهد، فنبذ رسول الله صلى الله عليه وسلم العهد إليهم. فإن قيل: كيف يجوز أن ينقض النبي صلى الله عليه وسلم العهد؟ قلنا: لا يجوز أن ينقض العهد إلا على ثلاثة أوجه: أحدها: أن يظهر له منهم خيانة مستورة ويخاف ضررهم فينبذ العهد إليهم، حتى يستووا في معرفة نقض العهد لقوله:وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَٱنبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَاء } [الأنفال: 58] وقال أيضاً:ٱلَّذِينَ..... يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلّ مَرَّةٍ } [الأنفال: 56] والثاني: أن يكون قد شرط لبعضهم في وقت العهد أن يقرهم على العهد فيما ذكر من المدة إلى أن يأمر الله تعالى بقطعه. فلما أمره الله تعالى بقطع العهد بينهم قطع لأجل الشرط. والثالث: أن يكون مؤجلاً فتنقضي المدة وينقضي العهد ويكون الغرض من إظهار هذه البراءة أن يظهر لهم أنه لا يعود إلى العهد، وأنه على عزم المحاربة والمقاتلة، فأما فيما وراء هذه الأحوال الثلاثة لا يجوز نقض العهد البتة، لأنه يجري مجرى الغدر وخلف القول، والله ورسوله منه بريئان، ولهذا المعنى قال الله تعالى:إِلاَّ ٱلَّذِينَ عَـٰهَدتُّم مّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَـٰهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ } [التوبة: 4] وقيل: إن أكثر المشركين نقضوا العهد إلا أناساً منهم وهم بنو ضمرة وبنو كنانة. المسألة الثالثة: روي أن فتح مكة كان سنة ثمان وكان الأمير فيها عتاب بن أسيد، ونزول هذه السورة سنة تسع، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه سنة تسع أن يكون على الموسم، فلما نزلت هذه السورة أمر علياً أن يذهب إلى أهل الموسم ليقرأها عليهم.

السابقالتالي
2 3