الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُوۤاْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ ٱلرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُمْ مُّؤُمِنِينَ }

اعلم أنه تعالى لما قال:قَاتَلُواْ أَئِمَّةَ ٱلْكُفْرِ } [التوبة: 12] أتبعه بذكر السبب الذي يبعثهم على مقاتلتهم فقال: { أَلاَ تُقَـٰتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُواْ }. واعلم أنه تعالى ذكر ثلاثة أسباب كل واحد منها يوجب مقاتلتهم لو انفرد، فكيف بها حال الاجتماع: أحدها: نكثهم العهد، وكل المفسرين حمله على نقض العهد. قال ابن عباس والسدي والكلبي: نزلت في كفار مكة نكثوا أيمانهم بعد عهد الحديبية، وأعانوا بني بكر على خزاعة وهذه الآية تدل على أن قتال الناكثين أولى من قتال غيرهم من الكفار ليكون ذلك زجراً لغيرهم، وثانيها: قوله: { وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ ٱلرَّسُولِ } فإن هذا من أوكد ما يجب القتال لأجله. واختلفوا فيه فقال بعضهم: المراد إخراجه من مكة حين هاجر. وقال بعضهم: بل المراد من المدينة لما أقدموا عليه من المشورة والاجتماع على قصده بالقتل. وقال آخرون: بل هموا بإخراجه من حيث أقدموا على ما يدعوه إلى الخروج وهو نقض العهد، وإعانة أعدائه، فأضيف الإخراج إليهم توسعاً لما وقع منهم من الأمور الداعية إليه. وقوله: { وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ ٱلرَّسُولِ } إما بالفعل وإما بالعزم عليه، وإن لم يوجد ذلك الفعل بتمامه، وثالثها: قوله: { وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } يعني بالقتال يوم بدر، لأنهم حين سلم العير قالوا: لا ننصرف حتى نستأصل محمداً ومن معه. والقول الثاني: أراد أنهم قاتلوا حلفاء خزاعة فبدؤا بنقض العهد، وهذا قول الأكثرين، وإنما قال: { بدؤكم } تنبيهاً على أن البادىء أظلم، ولما شرح تعالى هذه الموجبات الثلاثة زاد فيها، فقال: { أَتَخْشَوْنَهُمْ فَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ } وهذا الكلام يقوي داعية القتال من وجوه: الأول: أن تعديد الموجبات القوية وتفصيلها مما يقوي هذه الداعية، والثاني: أنك إذا قلت للرجل: أتخشى خصمك كان ذلك تحريكاً منه لأن يستنكف أن ينسب إلى كونه خائفاً من خصمه، والثالث: أن قوله: { فَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ } يفيد ذلك كأنه قيل: إن كنت تخشى أحداً فالله أحق أن تخشاه لكونه في غاية القدرة والكبرياء والجلالة، والضرر المتوقع منهم غايته القتل. أما المتوقع من الله فالعقاب الشديد في القيامة، والذم اللازم في الدنيا، والرابع: أن قوله: { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } معناه: أنكم إن كنتم مؤمنين بالإيمان وجب عليكم أن تقدموا على هذه المقاتلة، ومعناه أنكم إن لم تقدموا عليها وجب أن لا تكونوا مؤمنين فثبت أن هذا كلام مشتمل على سبعة أنواع من الأمور التي تحملهم على مقاتلة أولئك الكفار الناقضين للعهد. بقي في الآية أبحاث: البحث الأول: حكى الواحدي عن أهل المعاني أنهم قالوا: إذا قلت لا تفعل كذا، فإنما يستعمل ذلك في فعل مقدر وجوده، وإذا قلت ألست تفعل فإنما تقول ذلك في فعل تحقق وجوده، والفرق بينهما أن لا ينفي بها المستقبل، فإذا دخلت عليها الألف صار تحضيضاً على فعل ما يستقبل، وليس إنما تستعمل لنفي الحال.

السابقالتالي
2