الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـٰذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } * { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَىٰ رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ }

اعلم أنه تعالى لما ذكر مخازي المنافقين وذكر أعمالهم القبيحة فقال: وإذا ما أنزلت سورة، فمن المنافقين من يقول أيكم زادته هذه إيماناً؟ واختلفوا فقال بعضهم: يقول بعض المنافقين لبعض، ومقصودهم تثبيتهم قومهم على النفاق، وقال آخرون: بل يقولونه لأقوام من المسلمين، وغرضهم صرفهم عن الإيمان. وقال آخرون: بل ذكروه على وجه الهزؤ، والكل محتمل. ولا يمكن حمله على الكل، لأن حكاية الحال لا تفيد العموم. ثم إنه تعالى أجاب فقال إنه حصل للمؤمنين بسبب نزول هذه السورة أمران، وحصل للكافرين أيضاً أمران. أما الذي حصل للمؤمنين: فالأول: هو أنها تزيدهم إيماناً إذ لا بد عند نزولها من أن يقروا بها ويعترفوا بأنها حق من عند الله، والكلام في زيادة الإيمان ونقصانه قد ذكرناه في أول سورة الأنفال بالاستقصاء. والثاني: ما يحصل لهم من الاستبشار. فمنهم من حمله على ثواب الآخرة، ومنهم من حمله على ما يحصل في الدنيا من النصر والظفر، ومنهم من حمله على الفرح والسرور الحاصل بسبب تلك التكاليف الزائدة من حيث إنه يتوسل به إلى مزيد في الثواب، ثم جمع للمنافقين أمرين مقابلين للأمرين المذكورين في المؤمنين، فقال: { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } يعني المنافقين { فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَىٰ رِجْسِهِمْ } والمراد من الرجس إما العقائد الباطلة أو الأخلاق المذمومة، فإن كان الأول كان المعنى أنهم كانوا مكذبين بالسور النازلة قبل ذلك، والآن صاروا مكذبين بهذه السورة الجديدة، فقد انضم كفر إلى كفر، وإن كان الثاني كان المراد أنهم كانوا في الحسد والعداوة واستنباط وجوه المكر والكيد، والآن ازدادت تلك الأخلاق الذميمة بسبب نزول هذه السورة الجديدة. والأمر الثاني: أنهم يموتون على كفرهم، فتكون هذه الحالة كالأمر المضاد للاستبشار الذي حصل في المؤمنين، وهذه الحالة أسوأ وأقبح من الحالة الأولى، وذلك لأن الحالة الأولى عبارة عن ازدياد الرجاسة، وهذه الحالة عبارة عن مداومة الكفر وموتهم عليه. واحتج أصحابنا بقوله: { فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَىٰ رِجْسِهِمْ } على أنه تعالى قد يصد عن الإيمان ويصرف عنه، قالوا: إنه تعالى كان عالماً بأن سماع هذه السورة يورث حصول الحسد والحقد في قلوبهم، وأن حصول ذلك الحسد يورث مزيد الكفر في قلوبهم، أجابوا وقالوا نزول تلك السورة لا يوجب ذلك الكفر الزائد، بدليل أن الآخرين سمعوا تلك السورة وازدادوا إيماناً. فثبت أن تلك الرجاسة هم فعلوها من قبل أنفسهم. قلنا: لا ندعي أن استماع هذه السورة سبب مستقل بترجيح جانب الكفر على جانب الإيمان، بل نقول استماع هذه السورة للنفس المخصوصة والموصوفة بالخلق المعين والعادة المعينة. يوجب الكفر. والدليل عليه أن الإنسان الحسود لو أراد إزالة خلق الحسد عن نفسه، يمكنه أن يترك الأفعال المشعرة بالحسد، وأما الحالة القلبية المسماة بالحسد، فلا يمكنه إزالتها عن نفسه، وكذا القول في جميع الأخلاق فأصل القدرة غير، والفعل غير، والخلق غير، فإن أصل القدرة حاصل للكل أما الأخلاق فالناس فيها متفاوتون.

السابقالتالي
2