الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَٰوةَ فَإِخْوَٰنُكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَنُفَصِّلُ ٱلأيَـٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } * { وَإِن نَّكَثُوۤاْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوۤاْ أَئِمَّةَ ٱلْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ }

اعلم أنه تعالى لما بين حال من لا يرقب في الله إلا ولا ذمة، وينقض العهد وينطوي على النفاق ويتعدى ما حد له، بين من بعد أنهم إن أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة كيف حكمهم، فجمع ذلك الشيء بقوله: { فَإِخوَانُكُمْ فِى ٱلدّينِ } وهو يفيد جملة أحكام الإيمان، ولو شرح لطال. فإن قيل: المعلق على الشيء بكلمة { إن } عدم عند عدم ذلك الشيء، فهذا يقتضي أنه متى لم توجد هذه الثلاثة لا يحصل الأخوة في الدين، وهو مشكل لأنه ربما كان فقيراً، أو إن كان غنياً، لكن قبل انقضاء الحول لا تلزمه الزكاة. قلنا: قد بينا في تفسير قوله تعالى:إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَائِرَ مَا تُنهَوْنَ عَنْهُ } [النساء: 31] أن المعلق على الشيء بكلمة { إن } لا يلزم من عدمه عدم ذلك الشيء، فزال هذا السؤال، ومن الناس من قال المعلق على الشيء بكلمة { إن } عدم عند عدم ذلك الشيء، فههنا قال المواخاة بالإسلام بين المسلمين موقوفة على فعل الصلاة والزكاة جميعاً، فإن الله تعالى شرطها في إثبات المواخاة، ومن لم يكن أهلاً لوجوب الزكاة عليه، وجب عليه أن يقر بحكمها، فإذا أقر بهذا الحكم دخل في الشرط الذي به تجب الأخوة، وكان ابن مسعود يقول رحم الله أبا بكر ما أفقهه في الدين، أراد به ما ذكره أبو بكر في حق مانعي الزكاة، وهو قوله والله لا أفرق بين شيئين جمع الله بينهما بقي في قوله: { فَإِخوَانُكُمْ فِى ٱلدّينِ } بحثان: الأول: قوله: { فَإِخوَانُكُمْ } قال الفراء معناه، فهم إخوانكم بإضمار المبتدأ كقوله تعالى:فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم } [الأحزاب: 5] أي فهم إخوانكم. الثاني: قال أبو حاتم قال أهل البصرة أجمعون الأخوة في النسب والأخوان في الصداقة، وهذا غلط يقال للأصدقاء، وغير الأصدقاء أخوة وأخوان. قال الله تعالى:إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } [الحجرات: 10] ولم يعن النسب. وقال تعالى:أَوْ بُيُوتِ إِخْوٰنِكُمْ } [النور: 61] وهذا في النسب. قال ابن عباس: حرمت هذه الآية دماء أهل القبلة. ثم قال: { وَنُفَصّلُ ٱلأَيَـٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } قال صاحب «الكشاف»: وهذا اعتراض وقع بين الكلامين، والمقصود الحث والتحريض على تأمل ما فصل من أحكام المشركين المعاهدين، وعلى المحافظة عليها. ثم قال: { وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَـٰنَهُم مّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِى دِينِكُمْ } يقال نكث فلان عهده إذا نقضه بعد أحكامه كما ينكث خيط الصوف بعد إبرامه، ومنه قوله تعالى:مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَـٰثًا } [النحل: 92] والأيمان جمع يمين بمعنى الحلف والقسم. وقيل: للحلف يمين، وهو اسم اليد لأنهم كانوا يبسطون أيمانهم إذا حلفوا أو تحالفوا. وقيل: سمي القسم يميناً ليمين البر فيه. فقوله: { وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَـٰنَهُم } أي نقضوا عهودهم.

السابقالتالي
2