الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَعَلَى ٱلثَّلاَثَةِ ٱلَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوۤاْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ ٱللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ }

في الآية مسائل: المسألة الأولى: هذا معطوف على الآية الأولى، والتقدير: لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة وعلى الثلاثة الذين خلفوا، والفائدة في هذا العطف أنا بينا أن من ضم ذكر توبته إلى توبة النبي عليه الصلاة والسلام، كان ذلك دليلاً على تعظيمه وإجلاله، وهذا العطف يوجب أن يكون قبول توبة النبي عليه الصلاة والسلام وتوبة المهاجرين والأنصار في حكم واحد، وذلك يوجب إعلاء شأنهم وكونهم مستحقين لذلك. المسألة الثانية: إن هؤلاء الثلاثة هم المذكورون في قوله تعالى: { وآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ ٱللَّهِ } واختلفوا في السبب الذي لأجله وصفوا بكونهم مخلفين وذكروا وجوهاً: أحدها: أنه ليس المراد أن هؤلاء أمروا بالتخلف، أو حصل الرضا من الرسول عليه الصلاة والسلام بذلك، بل هو كقولك لصاحبك أين خلفت فلاناً فيقول: بموضع كذا لا يريد به أنه أمره بالتخلف بل لعله نهاه عنه وإنما يريد أنه تخلف عنه. وثانيها: لا يمتنع أن هؤلاء الثلاثة كانوا على عزيمة الذهاب إلى الغزو فأذن لهم الرسول عليه الصلاة والسلام قدر ما يحصل الآلات والأدوات فلما بقوا مدة ظهر التواني والكسل فصح أن يقال: خلفهم الرسول. وثالثها: أنه حكى قصة أقوام وهم المرادون بقوله: { وَءاخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ ٱللَّهِ } فالمراد من كون هؤلاء مخلفين كونهم مؤخرين في قبول التوبة عن الطائفة الأولى. قال كعب بن مالك وهو أحد هؤلاء الثلاثة: قول الله تعالى في حقنا: { وَعَلَى ٱلثَّلَـٰثَةِ ٱلَّذِينَ خُلِّفُواْ } ليس من تخلفنا إنما هو تأخير رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا ليشير به إلى قوله: { وآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ ٱللَّهِ }. المسألة الثالثة: قال صاحب «الكشاف»: قرىء { خُلِّفُواْ } أي خلفوا الغازين بالمدينة، أي صاروا خلفاء للذين ذهبوا إلى الغزو وفسدوا من الخالفة وخلوف الفم، وقرأ جعفر الصادق { خالفوا } وقرأ الأعمش وعلى الثلاثة المخلفين. المسألة الرابعة: هؤلاء الثلاثة هم كعب بن مالك الشاعر، وهلال بن أمية الذي نزلت فيه آية اللعان، ومرارة بن الربيع، وللناس في هذه القصة قولان: القول الأول: أنهم ذهبوا خلف الرسول عليه الصلاة والسلام، قال الحسن: كان لأحدهم أرض ثمنها مائة ألف درهم فقال: يا أرضاه ما خلفني عن رسول الله إلا أمرك، إذهبي فأنت في سبيل الله فلأكابدن المفاوز حتى أصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفعل، وكان للثاني أهل فقال: يا أهلاه ما خلفني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أمرك فلأكابدن المفاوز حتى أصل إليه وفعل، والثالث: ما كان له مال ولا أهل فقال: مالي سبب إلا الضن بالحياة والله لأكابدن المفاوز حتى أصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلحقوا بالرسول صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى { وآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ ٱللَّهِ }.

السابقالتالي
2 3