الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱلسَّمَآءِ وَٱلطَّارِقِ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلطَّارِقُ } * { ٱلنَّجْمُ ٱلثَّاقِبُ } * { إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ }

اعلم أنه تعالى أكثر في كتابه ذكر السماء والشمس والقمر لأن أحوالها في أشكالها وسيرها ومطالعها ومغاربها عجيبة، وأما الطارق فهو كل ما أتاك ليلاً سواء كان كوكباً أو غيره فلا يكون الطارق نهاراً، والدليل عليه قول المسلمين في دعائهم: نعوذ بالله من طوارق الليل وروي أنه عليه السلام: " نهى عن أن يأتي الرجل أهله طروقاً " والعرب تستعمل الطروق في صفة الخيال لأن تلك الحالة إنما تحصل في الأكثر في الليل، ثم إنه تعالى لما قال: { وَٱلطَّارِقِ } كان هذا مما لايستغنى سامعه عن معرفة المراد منه، فقال: { وَمَا أَدْرَاكَ مَا ٱلطَّارِقُ } قال سفيان بن عيينة: كل شيء في القرآن ما أدراك فقد أخبر الرسول به وكل شيء فيه ما يدريك لم يخبر به كقوله:وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٌ } [الشورى: 17] ثم قال: { ٱلنَّجْمُ ٱلثَّاقِبُ } أي هو طارق عظيم الشأن، رفيع القدر وهو النجم الذي يهتدى به في ظلمات البر والبحر ويوقف به على أوقات الأمطار، وههنا مسائل: المسألة الأولى: إنما وصف النجم بكونه ثاقباً لوجوه أحدها: أنه يثقب الظلام بضوئه فينفذ فيه كما قيل: درىء لأنه يدرؤه أي يدفعه وثانيها: أنه يطلع من المشرق نافذاً في الهواء كالشيء الذي يثقب الشيء وثالثها: أنه الذي يرى به الشيطان فيثقبه أي ينفذ فيه ويحرقه ورابعها: قال الفراء: { ٱلنَّجْمُ ٱلثَّاقِبُ } هو النجم المرتفع على النجوم، والعرب تقول للطائر إذا لحق ببطن السماء ارتفاعاً: قد ثقب. المسألة الثانية: إنما وصف النجم بكونه طارقاً، لأنه يبدو بالليل، وقد عرفت أن ذلك يسمى طارقاً، أو لأنه يطرق الجني، أي صكه. المسألة الثالثة: اختلفوا في قوله: { ٱلنَّجْمُ ٱلثَّاقِبُ } قال بعضهم: أشير به إلى جماعة النحو فقيل الطارق، كما قيل:إِنَّ ٱلإنسَـٰنَ لَفِي خُسْرٍ } [العصر: 2] وقال آخرون: إنه نجم بعينه، ثم قال ابن زيد: إنه الثريا، وقال الفراء: إنه زحل، لأنه يثقب بنوره سمك سبع سموات، وقال آخرون: إنه الشهب التي يرجم بها الشياطين، لقوله تعالى:فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ } [الصافات: 10]. المسألة الرابعة: روي أن أبا طالب أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فأتحفه بخبز ولبن، فبينما هو جالس يأكل إذ انحط نجم فامتلأ ماء ثم ناراً، ففزع أبو طالب، وقال: أي شيء هذا؟ فقال: هذا نجم رمي به، وهو آية من آيات الله، فعجب أبو طالب، ونزلت السورة. واعلم أنه تعالى لما ذكر المقسم به أتبعه بذكر المقسم عليه: { إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ } وفيه مسائل: المسألة الأولى: في قوله: { لَّمّاً } قراءتان إحداهما: قراءة ابن كثير وأبي عمرو ونافع والكسائي، وهي بتخفيف الميم والثانية: قراءة عاصم وحمزة والنخعي بتشديد الميم.

السابقالتالي
2 3