الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ } * { وَٱلْيَوْمِ ٱلْمَوْعُودِ } * { وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ }

اعلم أن في البروج ثلاثة أقوال: أحدها: أنها هي البروج الإثنا عشر وهي مشهورة وإنما حسن القسم بها لما فيها من عجيب الحكمة، وذلك لأن سير الشمس فيها ولا شك أن مصالح العالم السفلي مرتبطة بسير الشمس فيدل ذلك على أن لها صانعاً حكيماً، قال الجبائي: وهذه اليمين واقعة على السماء الدنيا لأن البروج فيها، واعلم أن هذا خطأ وتحقيقه ذكرناه في قوله تعالى:إِنَّا زَيَّنَّا ٱلسَّمَاء ٱلدُّنْيَا بِزِينَةٍ ٱلْكَوٰكِبِ } [الصافات: 6]، وثانيها: أن البروج هي منازل القمر، وإنما حسن القسم بها لما في سير القمر وحركته من الآثار العجيبة وثالثها: أن البروج هي عظام الكواكب سميت بروجاً لظهورها. وأما اليوم الموعود فهو يوم القيامة، رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال القفال: يحتمل أن يكون المراد واليوم الموعود لانشقاق السماء وفنائها وبطلان بروجها. وأما الشاهد والمشهود، فقد أضطرب أقاويل المفسرين فيه، والقفال أحسن الناس كلاماً فيه، قال: إن الشاهد يقع على شيئين أحدهما: الشاهد الذي تثبت به الدعاوى والحقوق والثاني: الشاهد الذي هو بمعنى الحاضر، كقوله:عَـٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ } [الأنعام: 73] ويقال: فلان شاهد وفلان غائب، وحمل الآية على هذا الاحتمال الثاني أولى، إذ لو كان المراد هو الأول لما خلا لفظ المشهود عن حرف الصلة، فيقال: مشهود عليه، أو مشهود له. هذا هو الظاهر، وقد يجوز أن يكون المشهود معناه المشهود عليه فحذفت الصلة، كما في قوله:إِنَّ ٱلْعَهْدَ كَانَ مَّسْئُولاً } [الإسراء: 34] أي مسئولاً عنه، إذا عرفت هذه المقدمة فنقول: إن حملنا الشهود على الحضور احتملت الآية وجوهاً من التأويل أحدها: أن المشهود هو يوم القيامة، والشاهد هو الجمع الذي يحضرون فيه، وهو مروي عن ابن عباس والضحاك، ويدل على صحة هذا الاحتمال وجوه الأول: أنه لا حضور أعظم من ذلك الحضور، فإن الله تعالى يجمع فيه خلق الأولين والآخرين من الملائكة والأنبياء والجن والإنس، وصرف اللفظ إلى المسمى الأكمل أولى والثاني: أنه تعالى ذكر اليوم الموعود، وهو يوم القيامة، ثم ذكر عقيبة: { وَشَـٰهِدٍ وَمَشْهُودٍ } وهذا يناسب أن يكون المراد بالشاهد من يحضر في ذلك اليوم من الخلائق، وبالمشهود ما في ذلك اليوم من العجائب الثالث: أن الله تعالى وصف يوم القيامة بكونه مشهوداً في قوله:فَوْيْلٌ لّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن مَّشْهِدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ } [مريم: 37] وقال:ذٰلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ ٱلنَّاسُ وَذٰلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ } [هود: 103] وقال:يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ } [الإسراء: 52] وقال:إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وٰحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ } [يس: 53] وطريق تنكيرهما إما ما ذكرناه في تفسير قوله تعالى:عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ } [التكوير: 14] كأنه قيل: وما أفرطت كثرته من شاهد ومشهود، وأما الإبهام في الوصف كأنه قيل: وشاهد ومشهود لا يكتنه وصفهما، وإنما حسن القسم بيوم القيامة للتنبيه على القدرة إذ كان هو يوم الفصل والجزاء ويوم تفرد الله تعالى فيه بالملك والحكم، وهذا الوجه اختيار ابن عباس ومجاهد وعكرمة والحسن بن علي وابن المسيب والضحاك والنخعي والثوري وثانيها: أن يفسر المشهود بيوم الجمعة وهو قول ابن عمر وابن الزبير: وذلك لأنه يوم يشهده المسلمون للصلاة ولذكر الله.

السابقالتالي
2 3