الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ ٱلْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ } * { كِتَابٌ مَّرْقُومٌ } * { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } * { ٱلَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ } * { وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ } * { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } * { كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ } * { ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُواْ ٱلْجَحِيمِ } * { ثُمَّ يُقَالُ هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ }

واعلم أنه سبحانه لما بين عظم هذا الذنب أتبعه بذكر لواحقه وأحكامه فأولها: قوله: { كَلاَّ } والمفسرون ذكروا فيه وجوهاً الأول: أنه ردع وتنبيه أي ليس الأمر على ماهم عليه من التطفيف والغفلة، عن ذكر البعث والحساب فليرتدعوا، وتمام الكلام ههنا الثاني: قال أبو حاتم: { كَلاَّ } ابتداء يتصل بما بعده على معنى حقاً { إِنَّ كِتَـٰبَ ٱلْفُجَّارِ لَفِى سِجّينٍ } وهو قول الحسن. النوع الثاني: أنه تعالى وصف كتاب الفجار بالخيبة والحقارة على سبيل الاستخفاف بهم، وههنا سؤالات. السؤال الأول: السجين اسم علم لشيء معين أو اسم مشتق عن معنى؟ قلنا فيه قولان: الأول: وهو قول جمهور المفسرين: أنه اسم علم على شيء معين، ثم اختلفوا فيه، فالأكثرون على أنه الأرض السابعة السفلى، وهو قول ابن عباس في رواية عطاء وقتادة ومجاهد والضحاك وابن زيد، وروى البراء أنه عليه السلام قال: " سجين أسفل سبع أرضين " قال عطاء الخراساني: وفيها إبليس وذريته، وروى أبو هريرة أنه عليه السلام قال: " سجين جب في جهنم " وقال الكلبي ومجاهد: سجين صخرة تحت الأرض السابعة. القول الثاني: أنه مشتق وسمي سجيناً فعيلاً من السجن، وهو الحبس والتضييق كما يقال: فسيق من الفسق، وهو قول أبي عبيدة والمبرد والزجاج، قال الواحدي: وهذا ضعيف والدليل على أن سجيناً ليس مما كانت العرب تعرفه قوله: { وَمَا أَدْرَاكَ ما سجين } أي ليس ذلك مما كنت تعلمه أنت وقومك. ولا أقول هذا ضعيف، فلعله إنما ذكر ذلك تعظيماً لأمر سجين. كما في قوله:وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلدّينِ } [الإنفطار: 17] قال صاحب «الكشاف»: والصحيح أن السجين فعيل مأخوذ من السجن، ثم إنه ههنا اسم علم منقول من صف كحاتم وهو منصرف، لأنه ليس فيه إلا سبب واحد وهو التعريف، إذا عرفت هذا، فنقول قد ذكرنا أن الله تعالى أجرى أموراً مع عباده على ما تعارفوه من التعامل فيما بينهم وبين عظمائهم. فالجنة موصوفة بالعلو والصفاء والفسحة وحضور الملائكة المقربين، والسجين موصوف بالتسفل والظلمة والضيق وحضور الشياطين الملعونين، ولا شك أن العلو والصفاء والفسحة وحضور الملائكة المقربين، كل ذلك من صفات الكمال والعزة، وأضدادها من صفات النقص والذلة، فلما أريد وصف الكفرة وكتابهم بالذلة والحقارة، قيل: إنه في موضع التسفل والظلمة والضيق، وحضور الشياطين، ولما وصف كتاب الأبرار بالعزة قيل: إنهلَفِى عِلّيّينَ } [المطففين: 18]. ويَشْهَدُهُ ٱلْمُقَرَّبُونَ } [المطففين: 21]. السؤال الثاني: قد أخبر الله عن كتاب الفجار بأنه { فِى سِجّينٍ } ثم فسر سجيناً بـ { كِتَـٰبٌ مَّرْقُومٌ } فكأنه قيل: إن كتابهم في كتاب مرقوم فما معناه؟ أجاب القفال: فقال قوله: { كِتَـٰبٌ مَّرْقُومٌ } ليس تفسيراً لسجين، بل التقدير: كلا إن كتاب الفجار لفي سجين، وإن كتاب الفجار كتاب مرقوم، فيكون هذا وصفاً لكتاب الفجار بوصفين أحدهما: أنه في سجين والثاني: أنه مرقوم، ووقع قوله: { وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجّينٌ } فيما بين الوصفين معترضاً، والله أعلم.

السابقالتالي
2 3 4 5