الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَلا يَظُنُّ أُوْلَـٰئِكَ أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ } * { لِيَوْمٍ عَظِيمٍ } * { يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

اعلم أنه تعالى وبخ هؤلاء المطففين فقال: { أَلا يَظُنُّ أُوْلَـئِكَ } الذين يطففون { أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ } وهو يوم القيامة، وفي الظن ههنا قولان: الأول: أن المراد منه العلم، وعلى هذا التقدير يحتمل أن يكون المخاطبون بهذا الخطاب من جملة المصدقين بالبعث، ويحتمل أن لا يكونوا كذلك أما الاحتمال الأول: فهو ما روي أن المسلمين من أهل المدينة وهم الأوس والخزرج كانوا كذلك، وحين ورد النبي صلى الله عليه وسلم كان ذلك شائعاً فيهم، وكانوا مصدقين بالبعث والنشور، فلا جرم ذكروا به، وأما إن قلنا: بأن المخاطبين بهذه الآية ما كانوا مؤمنين بالبعث إلا أنهم كانوا متمكنين من الاستدلال عليه، لما في العقول من إيصال الجزاء إلى المحسن والمسيء، أو إمكان ذلك إن لم يثبت وجوبه، وهذا مما يجوز أن يخاطب به من ينكر البعث، والمعنى ألا يتفكرون حتى يعلموا أنهم مبعوثون، لكنهم قد أعرضوا عن التفكر، وأراحوا أنفسهم عن متاعبه ومشاقه، وإنما يجعل العلم الاستدلال ظناً، لأن أكثر العلوم الاستدلالية راجع إلى الأغلب في الرأي، ولم يكن كالشك الذي يعتدل الوجهان فيه لا جرم سمي ذلك ظناً القول الثاني: أن المراد من الظن ههنا هو الظن نفسه لا العلم، ويكون المعنى أن هؤلاء المطففين هب أنهم لا يجزمون بالبعث ولكن لا أقل من الظن، فإن الأليق بحكمة الله ورحمته ورعايته مصالح خلقه أن لا يهمل أمرهم بعد الموت بالكلية، وأن يكون لهم حشر ونشر، وأن هذا الظن كاف في حصول الخوف، كأنه سبحانه وتعالى يقول: هب أن هؤلاء لا يقطعون به أفلا يظنونه أيضاً، فأما قوله تعالى: { يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } ففيه مسائل: المسألة الأولى: قرىء { يَوْمٍ } بالنصب والجر، أما النصب فقال الزجاج: يوم منصوب بقوله { مَّبْعُوثُونَ } والمعنى ألا يظنون أنهم يبعثون يوم القيامة، وقال الفراء: وقد يكون في موضع خفض إلا أنه أضيف إلى يفعل فنصب، وهذا كما ذكرنا في قوله: { يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ } وأما الجر فلكونه بدلاً من { يَوْمٍ عَظِيمٍ }. المسألة الثانية: هذا القيام له صفات: الصفة الأولى: سببه وفيه وجوه أحدها: وهو الأصح أن الناس يقومون لمحاسبة رب العالمين، فيظهر هناك هذا التطفيف الذي يظن أنه حقير، فيعرف هناك كثرته واجتماعه، ويقرب منه قوله تعالى:وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ } [الرحمن: 46] وثانيها: أنه سبحانه يرد الأرواح إلى أجسادها فتقوم تلك الأجساد من مراقدها، فذاك هو المراد من قوله: { يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } وثالثها: قال أبو مسلم معنى: { يَقُومُ ٱلنَّاسُ } هو كقوله:وَقُومُواْ لِلَّهِ قَـٰنِتِينَ } [البقرة: 238] أي لعبادته فقوله: { يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } أي لمحض أمره وطعته لا لشيء آخر، على ما قرره في قوله: { وَٱلاْمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ }.

السابقالتالي
2