الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يَضْحَكُونَ } * { وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ } * { وَإِذَا ٱنقَلَبُوۤاْ إِلَىٰ أَهْلِهِمُ ٱنقَلَبُواْ فَكِهِينَ } * { وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ لَضَالُّونَ } * { وَمَآ أُرْسِلُواْ عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ } * { فَٱلْيَوْمَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ ٱلْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ } * { عَلَى ٱلأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ } * { هَلْ ثُوِّبَ ٱلْكُفَّارُ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ }

اعلم أنه سبحانه لما وصف كرامة الأبرار في الآخرة ذكر بعد ذلك قبح معاملة الكفار معهم في الدنيا في استهزائهم وضحكهم، ثم بين أن ذلك سينقلب على الكفار في الآخرة، والمقصود منه تسلية المؤمنين وتقوية قلوبهم، وفيه مسائل: المسألة الأولى: ذكروا في سبب النزول وجهين الأول: أن المراد من قوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ } أكابر المشركين كأبي جهل والوليد بن المغيرة والعاصى بن وائل السهمي كانوا يضحكون من عمار وصهيب وبلال وغيرهم من فقراء المسلمين ويستهزئون بهم الثاني: جاء علي عليه السلام في نفر من المسلمين فسخر منهم المنافقون وضحكوا وتغامزوا ثم رجعوا إلى أصحابهم فقالوا: رأينا اليوم الأصلع فضحكوا منه، فنزلت هذه الآية قبل أن يصل علي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. المسألة الثانية: أنه تعالى حكى عنهم أربعة أشياء من المعاملات القبيحة فأولها: قوله: إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون أي يستهزئون بهم وبدينهم وثانيها: قوله: { وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ } أي يتفاعلون من الغمز، وهو الإشارة بالجفن والحاجب ويكون الغمز أيضاً بمعنى العيب وغمزه إذا عابه، وما في فلان غميزة أي ما يعاب به، والمعنى أنهم يشيرون إليهم بالأعين استهزاء ويعيبونهم، ويقولون: انظروا إلى هؤلاء يتعبون أنفسهم ويحرمونها لذاتها ويخاطرون بأنفسهم في طلب ثواب لا يتيقنونه وثالثها: قوله تعالى: { وَإِذَا ٱنقَلَبُواْ إِلَىٰ أَهْلِهِمْ ٱنقَلَبُواْ فَـكِهِينَ } معجبين بما هم فيه من الشرك والمعصية والتنعم بالدنيا، أو يتفكهون بذكر المسلمين بالسوء، قرأ عاصم في رواية حفص عنه: { فَكِهِينَ } بغير ألف في هذا الموضع وحده، وفي سائر القرآن { فَـٰكِهِينَ } بالألف وقرأ الباقون فاكهين بالألف، فقيل: هما لغتان، وقيل: فاكهين أي متنعمين مشغولين بما هم فيه من الكفر والتنعم بالدنيا وفكهين معجبين ورابعها: قوله تعالى: { وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُواْ إِنَّ هَـؤُلاَء لَضَالُّونَ } أي هم على ضلال في تركهم التنعم الحاضر بسبب طلب ثواب لا يدري هل له وجود أم لا، وهذا آخر ما حكاه تعالى عن الكفار. ثم قال تعالى: { وَمَا أُرْسِلُواْ عَلَيْهِمْ حَـٰفِظِينَ } يعني أن الله تعالى لم يبعث هؤلاء الكفار رقباء على المؤمنين، يحفظون عليهم أحوالهم ويتفقدون ما يصنعونه من حق أو باطل، فيعبون عليهم ما يعتقدونه ضلالاً، بل إنما أمروا بإصلاح أنفسهم. أما قوله تعالى: { فَٱلْيَوْمَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مِنَ ٱلْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ } ففيه مسألتان: المسألة الأولى: المعنى أن في هذا اليوم الذي هو يوم تصقع الأعمال والمحاسبة يضحك المؤمن من الكافر، وفي سبب هذا الضحك وجوه أحدها: أن الكفار كانوا يضحكون على المؤمنين في الدنيا بسبب ما هم فيه من الضر والبؤس، وفي الآخرة يضحك المؤمنون على الكافرين بسبب ما هم فيه من أنواع العذاب والبلاء، ولأنهم علموا أنهم كانوا في الدنيا على غير شيء، وأنهم قد باعوا باقياً بفان ويرون أنفسهم قد فازوا بالنعيم المقيم ونالوا بالتعب اليسير راحة الأبد، ودخلوا الجنة فأجلسوا على الأرائك ينظرون إليهم كيف يعذبون في النار وكيف يصطرخون فيها ويدعون بالويل والثبور ويلعن بعضهم بعضاً الثاني: قال أبو صالح: يقال لأهل النار وهم فيها اخرجوا وتفتح لهم أبوابها، فإذا رأوها قد فتحت أقبلوا إليها يريدون الخروج، والمؤمنون ينظرون إليهم على الأرائك، فإذا انتهوا إلى أبوابها غلقت دونهم، فذاك هو سبب الضحك.

السابقالتالي
2