الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ } * { عَلَى ٱلأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ } * { تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ ٱلنَّعِيمِ } * { يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ } * { خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ ٱلْمُتَنَافِسُونَ } * { وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ } * { عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا ٱلْمُقَرَّبُونَ }

اعلم أنه سبحانه وتعالى لما عظم كتابهم في الآية المتقدمة عظم بهذه الآية منزلتهم، فقال: { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِى نَعِيمٍ } ثم وصف كيفية ذلك النعيم بأمور ثلاثة أولها: قوله: { عَلَى ٱلأَرَائِكِ يَنظُرُونَ } قال القفال: الأرائك الأسرة في الحجال، ولا تسمى أريكة فيما زعموا إلا إذا كانت كذلك، وعن الحسن: كنا لا ندري ما الأريكة حتى لقينا رجلاً من أهل اليمن أخبرنا أن الأريكة عندهم ذلك. أما قوله: { يُنظَرُونَ } ففيه ثلاثة أوجه أحدها: ينظرون إلى أنواع نعمهم في الجنة من الحور العين والولدان، وأنواع الأطعمة والأشربة والملابس والمراكب وغيرها، قال عليه السلام: " يلحظ المؤمن فيحيط بكل ما آتاه الله وإن أدناهم يتراءى له مثل سعة الدنيا " والثاني: قال مقاتل: ينظرون إلى عدوهم حين يعذبون في النار والثالث: إذا اشتهوا شيئاً نظروا إليه فيحضرهم ذلك الشيء في الحال، واعلم أن هذه الأوجه الثلاثة من باب أنواع جنس واحد وهو المنظور إليه، فوجب حمل اللفظ على الكل، ويخطر ببالي تفسير رابع: وهو أشرف من الكل وهو أنهم ينظرون إلى ربهم ويتأكد هذا التأويل بما إنه قال بعد هذه الآية: { تَعْرِفُ فِى وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ ٱلنَّعِيمِ } والنظر المقرون بالنضرة هو رؤية الله تعالى على ما قال:وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَىٰ رَبّهَا نَاظِرَةٌ } [القيامة: 2322] ومما يؤكد هذا التأويل أنه يجب الابتداء بذكر أعظم اللذات، وما هو إلا رؤية الله تعالى وثانيها: قوله تعالى: { تَعْرِفُ فِى وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ ٱلنَّعِيمِ } وفيه مسألتان: المسألة الأولى: المعنى إذا رأيتهم عرفت أنهم أهل النعمة بسبب ما ترى في وجوههم من القرائن الدالة على ذلك ثم في تلك القرائن قولان: أحدهما: أنه ما يشاهد في وجوههم من الضحك والاستبشار، على ما قال تعالى:وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ * ضَـٰحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ } [عبس: 3938]. والثاني: قال عطاء إن الله تعالى يزيد في وجوههم من النور والحسن والبياض ما لا يصفه واصف، وتفسير النضرة: قد سبق عند قوله: { نَّاضِرَةٌ }. المسألة الثانية: قرىء: { تَعْرِفُ } على البناء للمفعول { جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِيمِ } بالرفع. وثالثها: قوله: { يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ } وفيه مسألتان: المسألة الأولى: في بيان أن الرحيق ما هو؟ قال الليث: { الرحيق } الخمر. وأنشد لحسان.
بـردى يصفـق بالرحيـق السلسـل   
وقال أبو عبيدة والزجاج: { الرحيق } من الخمر ما لا غش فيه ولا شيء يفسده، ولعله هو الخمر الذي وصفه الله تعالى بقوله:لاَ فِيهَا غَوْلٌ } [الصافات: 47]. المسألة الثانية: ذكر الله تعالى لهذا: { الرحيق } صفات: الصفة الأولى: قوله: { رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ } وفيه وجوه: الأول: قال القفال: يحتمل أن هؤلاء يسقون من شراب مختوم قد ختم عليه تكريماً له بالصيانة على ما جرت به العادة من ختم ما يكرم ويصان، وهناك خمر آخر تجري منها أنهار كما قال:

السابقالتالي
2 3