الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱلآنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوۤاْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ }

في الآية مسائل: المسألة الأولى: روي أنه صلى الله عليه وسلم كان يبعث العشرة إلى وجه المائة، بعث حمزة في ثلاثين راكباً قبل بدر إلى قوم فلقيهم أبو جهل في ثلثمائة راكب وأرادوا قتالهم، فمنعهم حمزة وبعث رسول الله عبد الله بن أنيس إلى خالد بن صفوان الهذلي وكان في جماعة، فابتدر عبد الله وقال: يا رسول الله صفه لي، فقال: " إنك إذا رأيته ذكرت الشيطان ووجدت لذلك قشعريرة وقد بلغني أنه جمع لي فاخرج إليه واقتله " قال: فخرجت نحوه فلما دنوت منه وجدت القشعريرة فقال لي: من الرجل؟ قلت له من العرب سمعت بك وبجمعك؟ ومشيت معه حتى إذا تمكنت منه قتلته بالسيف وأسرعت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وذكرت أني قتلته. فأعطاني عصا وقال: " أمسكها فإنها آية بيني وبينك يوم القيامة " ثم إن هذا التكليف شق على المسلمين فأزاله الله عنهم بهذه الآية قال عطاء عن ابن عباس: لما نزل التكليف الأول ضج المهاجرون، وقالوا: يا رب نحن جياع وعدونا شباع، ونحن في غربة وعدونا في أهليهم، ونحن قد أخرجنا من ديارنا وأموالنا وأولادنا وعدونا ليس كذلك، وقال الأنصار: شغلنا بعدونا وواسينا إخواننا، فنزل التخفيف، وقال عكرمة: إنما أمر الرجل أن يصبر لعشرة، والعشرة لمائة حال ما كان المسلمون قليلين، فلما كثروا خفف الله تعالى عنهم، ولهذا قال ابن عباس: أيما رجل فر من ثلاثة فلم يفر، فإن فر من اثنين فقد فر، والحاصل أن الجمهور ادعوا أن قوله: { ٱلئَـٰنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمْ } ناسخ للآية المتقدمة وأنكر أبو مسلم الأصفهاني هذا النسخ، وتقرير قوله أن يقال: إنه تعالى قال في الآية الأولى: { إِن يَكُن مّنكُمْ عِشْرُونَ صَـٰبِرُونَ يَغْلِبُواْ مِاْئَتَيْنِ } فهب أنا نحمل هذا الخبر على الأمر إلا أن هذا الأمر كان مشروطاً بكون العشرين قادرين على الصبر في مقابلة المائتين، وقوله: { ٱلئَـٰنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً } يدل على أن ذلك الشرط غير حاصل في حق هؤلاء، فصار حاصل الكلام أن الآية الأولى دلت على ثبوت حكم عند شرط مخصوص، وهذه الآية دلت على أن ذلك الشرط مفقود في حق هذه الجماعة، فلا جرم لم يثبت ذلك الحكم، وعلى هذا التقدير لم يحصل النسخ البتة. فإن قالوا: قوله: { إِن يَكُن مّنكُمْ عِشْرُونَ صَـٰبِرُونَ يَغْلِبُواْ مِاْئَتَيْنِ } معناه: ليكن العشرون الصابرون في مقابلة المائتين، وعلى هذا التقدير فالنسخ لازم. قلنا: لم لا يجوز أن يقال إن المراد من الآية إن حصل عشرون صابرون في مقابلة المائتين، فليشتغلوا بجهادهم؟ والحاصل أن لفظ الآية ورد على صورة الخبر خالفنا هذا الظاهر وحملناه على الأمر، أما في رعاية الشرط فقد تركناه على ظاهره، وتقديره إن حصل منكم عشرون موصوفون بالصبر على مقاومة المائتين فليشتغلوا بمقاومتهم، وعلى هذا التقدير فلا نسخ.

السابقالتالي
2 3