الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ } * { يُجَادِلُونَكَ فِي ٱلْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى ٱلْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ }

وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: اعلم أن قوله: { كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ } يقتضي تشبيه شيء بهذا الإخراج وذكروا فيه وجوهاً: الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى كثرة المشركين يوم بدر وقلة المسلمين قال: " من قتل قتيلاً فله سلبه ومن أسر أسيراً فله كذا وكذا " ليرغبهم في القتال، فلما انهزم المشركون قال سعد بن عبادة: يا رسول الله إن جماعة من أصحابك وقومك فدوك بأنفسهم، ولم يتأخروا عن القتال جبناً ولا بخلاً ببذل مهجهم ولكنهم أشفقوا عليك من أن تغتال فمتى أعطيت هؤلاء ما سميته لهم بقي خلق من المسلمين بغير شيء فأنزل الله تعالى:يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلانفَالِ قُلِ ٱلانفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ } [الأنفال: 1] يصنع فيها ما يشاء، فأمسك المسلمون عن الطلب وفي أنفس بعضهم شيء من الكراهية وأيضاً حين خرج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى القتال يوم بدر كانوا كارهين لتلك المقاتلة على ما سنشرح حالة تلك الكراهية، فلما قال تعالى: { قُلِ ٱلانفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ } كان التقدير أنهم رضوا بهذا الحكم في الأنفال وإن كانوا كارهين له كما أخرجك ربك من بيتك بالحق إلى القتال وإن كانوا كارهين له وهذا الوجه أحسن الوجوه المذكورة هنا. الثاني: أن يكون التقدير ثبت الحكم بأن الأنفال لله، وإن كرهوه كما ثبت حكم الله بإخراجك إلى القتال وإن كرهوه. الثالث: لما قال: { أُوْلـئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً } كان التقدير: أن الحكم بكونهم مؤمنين حق، كما أن حكم الله بإخراجك من بيتك للقتال حق. الرابع: قال الكسائي: «الكاف» متعلق بما بعده، وهو قوله: { يُجَـٰدِلُونَكَ فِي ٱلْحَقّ } والتقدير { كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِٱلْحَقّ } على كره فريق من المؤمنين كذلك هم يكرهون القتال ويجادلونك فيه. والله أعلم. المسألة الثانية: قوله: { مِن بَيْتِكَ } يريد بيته بالمدينة أو المدينة نفسها، لأنها موضع هجرته وسكناه بالحق، أي إخراجاً متلبساً بالحكمة والصواب { وَإِنَّ فَرِيقاً مّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ لَكَـِّرِهُونَ } في محل الحال، أي أخرجك في حال كراهيتهم. روي أن عير قريش أقبلت من الشام وفيها أموال كثيرة ومعها أربعون راكباً منهم أبو سفيان، وعمرو بن العاص، وأقوام آخرون، فأخبر جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبر المسلمين فأعجبهم تلقي العير لكثرة الخير، وقلة القوم، فلما أزمعوا وخرجوا، بلغ أهل مكة خبر خروجهم، فنادى أبو جهل فوق الكعبة: يا أهل مكة النجاء النجاء على كل صعب وذلولٰ إن أخذ محمد عيركم لن تفلحوا أبداً، وقد رأت أخت العباس بن عبد المطلب رؤيا، فقالت لأخيها: إني رأيت عجباً رأيت كأن ملكاً نزل من السماء فأخذ صخرة من الجبل، ثم حلق بها فلم يبق بيت من بيوت مكة إلا أصابه حجر من تلك الصخرة.

السابقالتالي
2 3