الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِذْ يُرِيكَهُمُ ٱللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي ٱلأَمْرِ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ }

اعلم أن هذا هو النوع الثاني من التي أنعم الله بها على أهل بدر، وفيه مسألتان: المسألة الأولى: { إِذْ يُرِيكَهُمُ ٱللَّهُ } منصوب بإضمار اذكر، أو هو بدل ثان من يوم الفرقان أو متعلق بقوله: { لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ } أي يعلم المصالح إذ يقللهم في أعينكم. المسألة الثانية: قال مجاهد: أرى الله النبي عليه السلام كفار قريش في منامه قليلاً فأخبر بذلك أصحابه. فقالوا: رؤيا النبي حق، القوم قليل، فصار ذلك سبباً لجراءتهم وقوة قلوبهم. فإن قيل: رؤية الكثير قليلاً غلط، فكيف يجوز من الله تعالى أن يفعل ذلك؟ قلنا: مذهبنا أنه تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وأيضاً لعله تعالى أراه البعض دون البعض فحكم الرسول على أولئك الذين رآهم بأنهم قليلون. وعن الحسن: هذه الأراءة كانت في اليقظة. قال: والمراد من المنام العين التي هو موضع النوم. ثم قال تعالى: { وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً } لذكرته للقوم ولو سمعوا ذلك لفشلوا ولتنازعوا، ومعنى التنازع في الأمر، الاختلاف الذي يحاول به كل واحد نزع صاحبه عما هو عليه، والمعنى: لاضطرب أمركم واختلفت كلمتكم { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ سَلَّمَ } أي سلمكم من المخالفة فيما بينكم. وقيل: سلم الله لهم أمرهم حتى أظهرهم على عدوهم، وقيل سلمهم من الهزيمة يوم بدر والأظهر أن المراد، ولكن الله سلمكم من التنازع { إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } يعلم ما يحصل فيها من الجراءة والجبن والصبر والجزع.