الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَٰناً وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } * { ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } * { أُوْلۤـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ }

اعلم أنه تعالى لما قال: { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } واقتضى ذلك كون الإيمان مستلزماً للطاعة، شرح ذلك في هذه الآية مزيد شرح وتفصيل، وبين أن الإيمان لا يحصل إلا عند حصول هذه الطاعات فقال: { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ } الآية. واعلم أن هذه الآية تدل على أن الإيمان لا يحصل إلا عند حصول أمور خمسة: الأول: قوله: { ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } قال الواحدي يقال: وجل يوجل وجلاً، فهو وجل، وأوجل إذا خاف. قال الشاعر:
لعمرك ما أدري وإني لأوجل   على أينا تعدو المنية أول
والمراد أن المؤمن إنما يكون مؤمناً إذا كان خائفاً من الله، ونظيره قوله تعالى:تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ } [الزمر: 23] وقوله:ٱلَّذِينَ هُم مّنْ خَشْيةِ رَبّهِمْ مُّشْفِقُونَ } [المؤمنون: 57] وقوله:ٱلَّذِينَ هُمْ فِى صَلاَتِهِمْ خَـٰشِعُونَ } [المؤمنون: 2] وقال أصحاب الحقائق: الخوف على قسمين: خوف العقاب، وخوف العظمة والجلال. أما خوف العقاب فهو للعصاة. وأما خوف الجلال والعظمة فهو لا يزول عن قلب أحد من المخلوقين، سواء كان ملكاً مقرباً أو نبياً مرسلاً، وذلك لأنه تعالى غني لذاته عن كل الموجودات وما سواه من الموجودات فمحتاجون إليه، والمحتاج إذا حضر عند الملك الغني يهابه ويخافه، وليست تلك الهيبة من العقاب، بل مجرد علمه بكونه غنياً عنه، وكونه محتاجاً إليه يوجب تلك المهابة، وذلك الخوف. إذا عرفت هذا فنقول: إن كان المراد من الوجل القسم الأول، فذلك لا يحصل من مجرد ذكر الله، وإنما يحصل من ذكر عقاب الله. وهذا هو اللائق بهذا الموضع، لأن المقصود من هذه الآية إلزام أصحاب بدر طاعة الله وطاعة الرسول في قسمة الأنفال، وأما إن كان المراد من الوجل القسم الثاني، فذلك لازم من مجرد ذكر الله، ولا حاجة في الآية إلى الإضمار. فإن قيل: إنه تعالى قال ههنا { وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } وقال في آية أخرى:ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ٱللَّهِ } [الرعد: 28] فكيف الجمع بينهما؟ وأيضاً قال في آية أخرى:ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ } [الزمر: 23] قلنا: الاطمئنان إنما يكون عن ثلج اليقين، وشرح الصدر بمعرفة التوحيد، والوجل إنما يكون من خوف العقوبة، ولا منافاة بين هاتين الحالتين، بل نقول: هذان الوصفان اجتمعا في آية واحدة، وهي قوله تعالى:تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ } [الزمر: 23] والمعنى: تقشعر الجلود من خوف عذاب الله، ثم تلين جلودهم وقلوبهم عند رجاء ثواب الله. الصفة الثانية: قوله تعالى: { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ } وهو قكلوه:وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـٰذِهِ إِيمَـٰناً }

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7