الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ وَلِيُبْلِيَ ٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاۤءً حَسَناً إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }

فيه مسائل: المسألة الأولى: قال مجاهد: اختلفوا يوم بدر. فقال: هذا أنا قتلت. وقال الآخر أنا قتلت فأنزل الله تعالى هذه الآية يعني أن هذه الكسرة الكبيرة لم تحصل منكم، وإنما حصلت بمعونة الله روي أنه لما طلعت قريش قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه قريش، قد جاءت بخيلائها وفخرها يكذبون رسولك " اللهم إني أسألك ما وعدتني " فنزل جبريل وقال: خذ قبضة من تراب فارمهم بها، فلما التقى الجمعان قال لعلي أعطني قبضة من التراب من حصباء الوادي، فرمى بها في وجوههم، وقال شاهت الوجوه، فلم يبق مشرك إلا شغل بعينه فانهزموا. قال صاحب «الكشاف» والفاء في قوله: { فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ } جواب شرط محذوف تقديره إن افتخرتم بقتلهم فأنتم لم تقتلوهم ولكن الله قتلهم. ثم قال: { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ } يعني أن القبضة من الحصباء التي رميتها، فأنت ما رميتها في الحقيقة، لأن رميك لا يبلغ أثره إلا ما يبلغه رمي سائر البشر، ولكن الله رماها حيث نفذ أجزاء ذلك التراب وأوصلها إلى عيونهم، فصورة الرمية صدرت من الرسول عليه الصلاة والسلام وأثرها إنما صدر من الله، فلهذا المعنى صح فيه النفي والإثبات. المسألة الثانية: احتج أصحابنا بهذه الآية على أن أفعال العباد مخلوقة لله عالى، وجه الاستدلال أنه تعالى قال: { فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمْ } ومن المعلوم أنهم جرحوا، فدل هذا على أن حدوث تلك الأفعال إنما حصل من الله. وأيضاً قوله: { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ } أثبت كونه عليه السلام رامياً، ونفى عنه كونه رامياً، فوجب حمله على أنه رماه كسباً وما رماه خلقاً. فأن قيل: أما قوله: { فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمْ } فيه وجوه: الأول: أن قتل الكفار إنما تيسر بمعونة الله ونصره وتأييده، فصحت هذه الإضافة. الثاني: أن الجرح كان إليهم، وإخراج الروح كان إلى الله تعالى، والتقدير: فلم تميتوهم ولكن الله أماتهم. وأما قوله: { وَمَا رَمَيْتَ إِذَا رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ } قال القاضي فيه أشياء: منها أن الرمية الواحدة لا توجب وصول التراب إلى عيونهم، وكان إيصال أجزاء التراب إلى عيونهم ليس إلا بإيصال الله تعالى، ومنها أن التراب الذي رماه كان قليلاً، فيمتنع وصول ذلك القدر إلى عيون الكل، فدل هذا على أنه تعالى ضم إليها أشياء أخر من أجزاء التراب وأوصلها إلى عيونهم، ومنها أن عند رميته ألقى الله تعالى الرعب في قلوبهم، فكان المراد من قوله: { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ } هو أنه تعالى رمى قلوبهم بذلك الرعب. والجواب: أن كل ما ذكرتموه عدول عن الظاهر، والأصل في الكلام الحقيقة.

السابقالتالي
2