الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ ٱلأَدْبَارَ } * { وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَآءَ بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ }

في الآية مسائل: المسألة الأولى: قال الأزهري: أصل الزحف للصبي، وهو أن يزحف على أسته قبل أن يقوم، وشبه بزحف الصبي مشي الطائفتين اللتين تذهب كل واحدة منهما إلى صاحبتها للقتال، فيمشي كل فئة مشياً رويداً إلى الفئة الأخرى قبل التداني للضراب. قال ثعلب: الزحف المشي قليلاً قليلاً إلى الشيء، ومنه الزحاف في الشعر يسقط مما بين حرفين. حرف فيزحف أحدهما إلى الآخر. إذا عرفت هذا فنقول: قوله: { إِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً } أي متزاحفين نصب على الحال، ويجوز أن يكون حالاً للكفار، ويجوز أن يكون حالاً للمخاطبين وهم المؤمنون، والزحف مصدر موصوف به كالعدل والرضا، ولذلك لم يجمع، والمعنى: إذا ذهبتم إليهم للقتال، فلا تنهزموا، ومعنى { فَلاَ تُوَلُّوهُمُ ٱلادْبَارَ } أي لا تجعلوا ظهوركم مما يليهم. ثم إنه تعالى لما نهى عن هذا الانهزام بين أن هذا الانهزام محرم إلا في حالتين: إحداهما: أن يكون متحرفاً للقتال، والمراد منه أن يخيل إلى عدوه أنه منهزم. ثم ينعطف عليه، وهو أحد أبواب خدع الحرب ومكايدها، يقال: تحرف وانحرف إذا زال عن جهة الاستواء. والثانية: قوله: { أَوْ مُتَحَيّزاً إِلَىٰ فِئَةٍ } قال أبو عبيدة: التحيز التنحي وفيه لغتان: التحيز والتحوز. قال الواحدي: وأصل هذا الحوز، وهو الجمع. يقال: حزته فانحاز وتحوز وتحيز إذا انضم واجتمع، ثم سمى التنحي تحيزاً، لأن المتنحى عن جانب ينفصل عنه ويميل إلى غيره. إذا عرفت هذا فنقول: الفئة الجماعة، فإذا كان هذا المتحيز كالمنفرد، وفي الكفار كثرة، وغلب على ظن ذلك المنفرد أنه إن ثبت قتل من غير فائدة، وإن تحيز إلى جمع كان راجياً للخلاص، وطامعاً في العدو بالكثرة، فربما وجب عليه التحيز إلى هذه الفئة فضلاً عن أن يكون ذلك جائزاً والحاصل أن الانهزام من العدو حرام إلا في هاتين الحالتين. ثم إنه تعالى قال: { وَمَن يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ } إلا في هاتين الحالتين، فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير. المسألة الثانية: احتج القاضي بهذه الآية على القطع بوعيد الفساق من أهل الصلاة، وذلك لأن الآية دلت على أن من انهزم إلا في هاتين الحالتين استوجب غضب الله ونار جهنم. قال وليس للمرجئة أن يحملوا هذه الآية على الكفار دون أهل الصلاة، كصنعهم في سائر آيات الوعيد، لأن هذا الوعيد مختص بأهل الصلاة. واعلم أن هذه المسألة قد ذكرناها على الاستقصاء في سورة البقرة، وذكرنا أن الاستدلال بهذه الظواهر لا يفيد إلا الظن، وقد ذكرنا أيضاً أنها معارضة بعمومات الوعد، وذكرنا أن الترجيح بجانب عمومات الوعد من الوجوه الكثيرة، فلا فائدة في الإعادة.

السابقالتالي
2