الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِذْ يُغَشِّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن ٱلسَّمَآءِ مَآءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ ٱلشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ ٱلأَقْدَامَ } * { إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى ٱلْمَلاۤئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ فَٱضْرِبُواْ فَوْقَ ٱلأَعْنَاقِ وَٱضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ } * { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ }

وفيه مسائل: المسألة الأولى: قال الزجاج: { إِذْ } موضعها نصب على معنىوَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ بُشْرَىٰ } [آل عمران: 126] في ذلك الوقت. ويجوز أيضاً أن يكون التقدير: اذكروا إذ يغشيكم النعاس أمنة. المسألة الثانية: في { يغشاكم } ثلاث قراآت: الأولى: قرأ نافع بضم الياء، وسكون الغين، وتخفيف الشين { يُغَشّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ } بالنصب. الثانية: { يغشاكم } بالألف وفتح الياء وسكون العين { يُغَشّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ } بالرفع وهي قراءة أبي عمرو وابن كثير. الثالثة: قرأ الباقون { يُغَشّيكُمُ } بتشديد الشين وضم الياء من التغشية { ٱلنُّعَاسَ } بالنصب، أي يلبسكم النوم. قال الواحدي: القراءة الأولى من أغشى، والثانية من غشي، والثالثة من غشي فمن قرأ { يغشاكم } فحجته قوله: { ٱلْغَمّ أَمَنَةً نُّعَاساً } يعني: فكما أسند الفعل هناك إلى النعاس والأمنة التي هي سبب النعاس كذلك في هذه الآية ومن قرأ { يُغَشّيكُمُ } أو { يُغَشّيكُمُ } فالمعنى واحد وقد جاء التنزيل بهما في قوله تعالى:فَأغْشَيْنَـٰهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ } [يۤس: 9] وقال:فَغَشَّـٰهَا مَا غَشَّىٰ } [النجم: 54] وقال:كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ } [يونس: 27] وعلى هذا فالفعل مسند إلى الله. المسألة الثالثة: أنه تعالى لما ذكر أنه استجاب دعاءهم ووعدهم بالنصر فقال: { وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } ذكر عقيبه وجوه النصر وهي ستة أنواع: الأول: قوله: { إِذ يُغَشّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ أَمَنَةً مّنْهُ } أي من قبل الله، واعلم أن كل نوم ونعاس فإنه لا يحصل إلا من قبل الله تعالى فتخصيص هذا النعاس بأنه من الله تعالى لا بد فيه من مزيد فائدة وذكروا فيه وجوهاً: أحدها: أن الخائف إذا خاف من عدوه الخوف الشديد على نفسه وأهله فإنه لا يؤخذه النوم، وإذا نام الخائفون أمنوا، فصار حصول النوم لهم في وقت الخوف الشديد يدل على إزالة الخوف وحصول الأمن. وثانيها: أنهم خافوا من جهات كثيرة. أحدها: قلة المسلمين وكثرة الكفار. وثانيها: الأهبة والآلة والعدة للكافرين وقلتها للمؤمنين. وثالثها: العطش الشديد فلولا حصول هذا النعاس وحصول الاستراحة حتى تمكنوا في اليوم الثاني من القتال لما تم الظفر. والوجه الثالث: في بيان كون ذلك النعاس نعمة في حقهم، أنهم ما ناموا نوماً غرقاً يتمكن العدو من معاقصتهم بل كان ذلك نعاساً يحصل لهم زوال الأعياء والكلال مع أنهم كانوا بحيث لو قصدهم العدو لعرفوا وصوله ولقدروا على دفعه. والوجه الرابع: أنه غشيهم هذا النعاس دفعة واحدة مع كثرتهم، وحصول النعاس للجمع العظيم في الخوف الشديد أمر خارق للعادة. فلهذا السبب قيل: إن ذلك النعاس كان في حكم المعجز. فإن قيل: فإن كان الأمر كما ذكرتم فلو خافوا بعد ذلك النعاس؟ قلنا: لأن المعلوم أن الله تعالى يجعل جند الإسلام مظفراً منصوراً وذلك لا يمنع من صيرورة قوم منهم مقتولين.

السابقالتالي
2 3 4