الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ قُلِ ٱلأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }

اعلم أن قوله: { يَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلانفَالِ } يقتضي البحث عن خمسة أشياء، السائل والمسؤول وحقيقة النفل، وكون ذلك السؤال عن أي الأحكام كان، وإن المفسرين بأي شيء فسروا الأنفال. أما البحث الأول: فهو أن السائلين من كانوا؟ فنقول إن قوله: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلانفَالِ } إخبار عمن لم يسبق ذكرهم وحسن ذلك ههنا، لأن حالة النزول كان السائل عن هذا السؤال معلوماً معيناً فانصرف هذا اللفظ إليهم، ولا شك أنهم كانوا أقواماً لهم تعلق بالغنائم والأنفال وهم أقوام من الصحابة. وأما البحث الثاني: وهو أن المسؤول من كان؟ فلا شك أنه هو النبي صلى الله عليه وسلم. وأما البحث الثالث: وهو أن الأنفال ما هي فنقول: قال الزهري: النفل والنافلة ما كان زيادة على الأصل، وسميت الغنائم أنفالاً، لأن المسلمين فضلوا بها على سائر الأمم الذين لم تحل لهم الغنائم، وصلاة التطوع نافلة لأنها زيادة على الفرض الذي هو الأصل. وقال تعالى:وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَـٰقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً } [الأنبياء: 72] أي زيادة على ما سأل. وأما البحث الرابع: وهو أن السؤال عن أي أحكام الأنفال كان؟ فنقول: فيه وجهان: الأول: لفظ السؤال، وإن كان مبهماً إلا أن تعيين الجواب يدل على أن السؤال كان واقعاً عن ذلك المعين، ونظيره قوله تعالى:وَيَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ } [البقرة: 222]فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلاْخِرَةِ } [البقرة: 220] فعلم منه أنه سؤال عن حكم من أحكام المحيض واليتامى، وذلك الحكم غير معين، إلا أن الجواب كان معيناً لأنه تعالى قال في المحيض:قُلْ هُوَ أَذًى فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنّسَاء فِي ٱلْمَحِيضِ } [البقرة: 222] فدل هذا الجواب على أن ذلك السؤال كان سؤالاً عن مخالطة النساء في المحيض. وقال في اليتامى:قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوٰنُكُمْ } [البقرة: 220] فدل هذا الجواب المعين على أن ذلك السؤال المعين كان واقعاً عن التصرف في مالهم ومخالطتهم في المواكلة. وأيضاً قال تعالى:وَيَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ } [الإسراء: 85] وليس فيه ما يدل على أن ذلك السؤال عن أي الأحكام إلا أنه تعالى قال في الجواب: { قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبّى } فدل هذا الجواب على أن ذلك السؤال كان عن كون الروح محدثاً أو قديماً، فكذا ههنا لما قال في جواب السؤال عن الأنفال: { قُلِ ٱلانفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ } دل هذا على أنهم سألوه عن الأنفال كيف مصرفها ومن المستحق لها. والقول الثاني: أن قوله: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلانفَالِ } أي من الأنفال، والمراد من هذا السؤال: الاستعطاء على ما روي في الخبر، أنهم كانوا يقولون يا رسول الله أعطني كذا أعطني كذا، ولا يبعد إقامة عن مقام من هذا قول عكرمة. وقرأ عبد الله { يَسْأَلُونَكَ ٱلانفَالِ }.

السابقالتالي
2 3 4