الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً } * { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلْمُعْصِرَاتِ مَآءً ثَجَّاجاً } * { لِّنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً } * { وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً } * { إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً } * { يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً } * { وَفُتِحَتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً } * { وَسُيِّرَتِ ٱلْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً } * { إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً } * { لِّلطَّاغِينَ مَآباً } * { لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً } * { لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً } * { إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً } * { جَزَآءً وِفَاقاً }

وثامنها: قوله تعالى: { وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً } كلام أهل اللغة مضطرب في تفسير الوهاج، فمنهم من قال الوهج مجمع النور والحرارة، فبين الله تعالى أن الشمس بالغة إلى أقصى الغايات في هذين الوصفين، وهو المراد بكونها وهاجاً، وروى الكلبي عن ابن عباس أن الوهاج مبالغة في النور فقط، يقال للجوهر إذا تلألأ توهج، وهذا يدل على أن الوهاج يفيد الكمال في النور، ومنه قول الشاعر يصف النور:
نـوارهـا متبـاهـج يتـوهــج   
وفي كتاب الخليل: الوهج، حر النار والشمس، وهذا يقتضي أن الوهاج هو البالغ في الحر واعلم أن أي هذه الوجود إذا ثبت فالمقصود حاصل. أما المعصرات ففيها قولان: الأول: وهو إحدى الروايتين عن ابن عباس، وقول مجاهد، ومقاتل والكلبي وقتادة إنها الرياح التي تثير السحاب ودليله قوله تعالى:الله الذي يرسل الرياح فتثير سحاباً } [الروم: 48] فإن قيل على هذا التأويل كان ينبغي أن يقال وأنزلنا بالمعصرات، قلنا: الجواب: من وجهين الأول: أن المطر إنما ينزل من السحاب، والسحاب إنما يثيره الرياح، فصح أن يقال هذا المطر إنما حصل من تلك الرياح، كما يقال هذا من فلان، أي من جهته وبسببه الثاني: أن من ههنا بمعنى الباء والتقدير، وأنزلنا بالمعصرات أي بالرياح المثيرة للسحاب ويروى عن عبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير وعكرمة أنهم قرأوا وأنزلنا بالمعصرات وطعن الأزهري في هذا القول، وقال الأعاصير من الرياح ليست من رياح المطر، وقد وصف الله تعالى المعصرات بالماء الشجاج وجوابه: أن الإعصار ليست من رياح المطر، فلم لا يجوز أن تكون المعصرات من رياح المطر؟ القول الثاني: وهو الرواية الثانية عن ابن عباس واختيار أبي العالية والربيع والضحاك أنها السحاب، وذكروا في تسمية السحاب بالمعصرات وجوهاً أحدها: قال المؤرخ: المعصرات السحائب بلغة قريش وثانيها: قال المازني يجوز أن تكون المعصرات هي السحائب ذوات الأعاصير فإن السحائب إذا عصرتها الأعاصير لا بد وأن ينزل المطر منها وثالثها: أن المعصرات هي السحائب التي شارفت أن تعصرها الرياح فتمطر كقولك: أجز الزرع إذا حان له أن يجز، ومنه أعصرت الجارية إذا دنت أن تحيض، وأما الثجاج فاعلم أن الثج شدة الانصباب يقال: مطر ثجاج ودم ثجاج أي شديد الانصباب. واعلم أن الثج قد يكون لازماً، وهو بمعنى الانصباب كما ذكرنا، وقد يكون متعدياً بمعنى الصب وفي الحديث " أفضل الحج العج والثج " أي رفع الصوت بالتلبية وصب دماء الهدى، وكان ابن عباس مثجاً أي يثج الكلام ثجاً في خطبته وقد فسروا الثجاج في هذه الآية على الوجهين، وقال الكلبي ومقاتل وقتادة الثجاج ههنا المتدفق المنصب، وقال الزجاج معناه الصباب كأنه يثج نفسه أي يصب.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8