الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً } * { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً } * { إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً }

اعلم أن مجامع الطاعات محصورة في أمرين التعظيم لأمر الله تعالى، وإليه الإشارة بقول:يُوفُونَ بِٱلنَّذْرِ } [الإنسان: 7] والشفقة على خلق الله، وإليه الإشارة بقوله: { وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ } وههنا مسائل. المسألة الأولى: لم يذكر أحد من أكابر المعتزلة، كأبي بكر الأصم وأبي علي الجبائي وأبي القاسم الكعبي، وأبي مسلم الأصفهاني، والقاضي عبد الجبار بن أحمد في تفسيرهم أن هذه الآيات نزلت في حق علي بن أبي طالب عليه السلام، والواحدي من أصحابنا ذكر في كتاب «البسيط» أنها نزلت في حق علي عليه السلام، وصاحب «الكشاف» من المعتزلة ذكر هذه القصة، فروى عن ابن عباس رضي الله عنهما: «أن الحسن والحسين عليهما السلام مرضا فعادهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس معه، فقالوا: يا أبا الحسن لو نذرت على ولدك، فنذر علي وفاطمة وفضة جارية لهما، إن شفاهما الله تعالى أن يصوموا ثلاثة أيام فشفيا وما معهم شيء فاستقرض علي من شمعون الخيبري اليهودي ثلاثة أصوع من شعير فطحنت فاطمة صاعاً واختبزت خمسة أقراص على عددهم ووضعوها بين أيديهم ليفطروا، فوقف عليهم سائل فقال: السلام عليكم أهل بيت محمد، مسكين من مساكين المسلمين أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة فآثروه وباتوا ولم يذوقوا إلا الماء وأصبحوا صائمين، فلما أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم فآثروه وجاءهم أسير في الثالثة، ففعلوا مثل ذلك فلما أصبحوا أخذ علي عليه السلام بيد الحسن والحسين ودخلوا على الرسول عليه الصلاة والسلام، فلما أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع قال: " ما أشد ما يسوءني ما أرى بكم " وقام فانطلق معهم فرأى فاطمة في محرابها قد التصق بطنها بظهرها وغارت عيناها فساءه ذلك، فنزل جبريل عليه السلام وقال: خذها يا محمد هنّاك الله في أهل بيتك فأقرأها السورة» والأولون يقولون: إنه تعالى ذكر في أول السورة أنه إنما خلق الخلق للابتلاء والامتحان، ثم بين أنه هدى الكل وأزاح عللهم ثم بين أنهم انقسموا إلى شاكر وإلى كافر ثم ذكر وعيد الكافر ثم أتبعه بذكر وعد الشاكر فقال:إِنَّ ٱلأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ } [الإنسان: 5] وهذه صيغة جمع فتتناول جميع الشاكرين والأبرار، ومثل هذا لا يمكن تخصيصه بالشخص الواحد، لأن نظم السورة من أولها إلى هذا الموضع يقتضي أن يكون هذا بياناً لحال كل من كان من الأبرار والمطيعين، فلو جعلناه مختصاً بشخص واحد لفسد نظم السورة والثاني: أن الموصوفين بهذه الصفات مذكورون بصيغة الجمع كقوله:إِنَّ ٱلأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ...... يُوفُونَ بِٱلنَّذْرِ وَيَخَـٰفُونَ..... مِنْ وَيُطْعِمُونَ } [الإنسان: 5، 7، 8] وهكذا إلى آخر الآيات فتخصيصه بجمع معنيين خلاف الظاهر، ولا ينكر دخول علي بن أبي طالب عليه السلام فيه، ولكنه أيضاً داخل في جميع الآيات الدالة على شرح أحوال المطيعين، فكما أنه داخل فيها فكذا غيره من أتقياء الصحابة والتابعين داخل فيها، فحينئذ لا يبقى للتخصيص معنى ألبتة، اللهم إلا أن يقال: السورة نزلت عند صدور طاعة مخصوصة عنه، ولكنه قد ثبت في أصول الفقه أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

السابقالتالي
2 3 4