الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يُوفُونَ بِٱلنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً }

فالأول قوله تعالى: { يُوفُونَ بِٱلنَّذْرِ } وفيه مسائل: المسألة الأولى: الإيفاء بالشيء هو الإتيان به وافياً، أما النذر فقال أبو مسلم: النذر كالوعد، إلا أنه إذا كان من العباد فهو نذر، وإن كان من الله تعالى فهو وعد، واختص هذا اللفظ في عرف الشرع بأن يقول لله عليَّ كذا وكذا من الصدقة، أو يعلق ذلك بأمر يلتمسه من الله تعالى مثل أن يقول: إن شفى الله مريضي، أو رد غائبي فعليَّ كذا كذا، واختلفوا فيما إذا علق ذلك بما ليس من وجوه البر، كما إذا قال: إن دخل فلان الدار فعليَّ كذا، فمن الناس من جعله كاليمين، ومنهم من جعله من باب النذر، إذا عرفت هذا، فنقول للمفسرين في تفسير الآية أقوال: أولها: أن المراد من النذر هو النذر فقط، ثم قال الأصم: هذا مبالغة في وصفهم بالتوفر على أداء الواجبات. لأن من وفى بما أوجبه هو على نفسه كان بما أوجبه الله عليه أوفى، وهذا التفسير في غاية الحسن وثانيها: المراد بالنذر ههنا كل ما وجب عليه سواء وجب بإيجاب الله تعالى ابتداء أو بأن أوجبه المكلف على نفسه فيدخل فيه الإيمان وجميع الطاعات، وذلك لأن النذر معناه الإيجاب وثالثها: قال الكلبي: المراد من النذر العهد والعقد، ونظيره قوله تعالى:أَوْفُواْ بِعَهْدِى أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } [البقرة: 40] فسمى فرائضه عهداً، وقال:أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ } [المائدة: 1] سماها عقوداً لأنهم عقدوها على أنفسهم باعتقادهم الإيمان. المسألة الثانية: هذه الآية دالة على وجوب الوفاء بالنذر، لأنه تعالى عقبه بيخافون يوماً وهذا يقتضي أنهم إنما وفوا بالنذر خوفاً من شر ذلك اليوم، والخوف من شر ذلك اليوم لا يتحقق إلا إذا كان الوفاء به واجباً، وتأكد هذا بقوله تعالى:وَلاَ تَنقُضُواْ ٱلإِيْمَـٰنَ } بعد توكيدها [النحل: 91] وبقوله:ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ } [الحج: 29] فيحتمل ليوفوا أعمال نسكهم التي ألزموها أنفسهم. المسألة الثالثة: قال الفراء: وجماعة من أرباب المعاني. كان في قوله:كَانَ مِزَاجُهَا كَـٰفُوراً } [الإنسان: 5] زائدة وأما ههنا فكان محذوفة، والتقدير كانوا يوفون بالنذر. ولقائل أن يقول: إنا بينا أن كان في قوله:كَانَ مِزَاجُهَا } [الإنسان: 5] ليست بزائدة، وأما في هذه الآية فلا حاجة إلى إضمارها، وذلك لأنه تعالى ذكر في الدنيا أن الأبرار يشربون أي سيشربون، فإن لفظ المضارع مشترك بين الحال والاستقبال، ثم قال: السبب في ذلك الثواب الذي سيجدونه أنهم الآن يوفون بالنذر. النوع الثاني: من أعمال الأبرار التي حكاها الله تعالى عنهم قوله تعالى: { وَيَخَـٰفُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً }. واعلم أن تمام الطاعة لا يحصل إلا إذا كانت النية مقرونة بالعمل، فلما حكى عنهم العمل وهو قوله: { يُوفُونَ } حكى عنهم النية وهو قوله: { وَيَخَـٰفُونَ يَوْماً } وتحقيقه قوله عليه السلام:

السابقالتالي
2