الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ ٱلَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ مَعَكَ وَٱللَّهُ يُقَدِّرُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مَّرْضَىٰ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي ٱلأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ وَأَقْرِضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَٱسْتَغْفِرُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قوله تعالى: { إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَىِ ٱلَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مّنَ ٱلَّذِينَ مَعَكَ } فيه مسألتان: المسألة الأولى: المراد من قوله: { أدنى من ثلثي الليل } أقل منهما، وإنما استعير الأدنى وهو الأقرب للأقل لأن المسافة بين الشيئين إذا دنت قل ما بينهما من الأحياز وإذا بعدت كثر ذلك. المسألة الثانية: قرىء { وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ } بالنصب والمعنى أنك تقوم أقل من الثلثين وتقوم النصف والثلث وقرىء { وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ } بالجر أي تقوم أقل من الثلثين والنصف والثلث، لكنا بينا في تفسير قوله:قُمِ ٱلَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً } [المزمل: 2] أنه لا يلزم من هذا أن يقال: إنه عليه الصلاة والسلام كان تاركاً للواجب وقوله تعالى: { وَطَائِفَةٌ مّنَ ٱلَّذِينَ مَعَكَ } وهم أصحابك يقومون من الليل هذا المقدار المذكور. قوله تعالى: { وَٱللَّهُ يُقَدّرُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ } يعني أن العالم بمقادير أجزاء الليل والنهار ليس إلا الله تعالى. قوله تعالى: { عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ } فيه مسألتان: المسألة الأولى: الضمير في { أَن لَّن تُحْصُوهُ } عائد إلى مصدر مقدر أي علم أنه لا يمكنكم إحصاء مقدار كل واحد من أجزاء الليل والنهار على الحقيقة، ولا يمكنكم أيضاً تحصيل تلك المقادير على سبيل الطعن والاحتياط إلا مع المشقة التامة، قال مقاتل: كان الرجل يصلي الليل كله مخافة أن لا يصيب ما أمر به من قيام ما فرض عليه. المسألة الثانية: احتج بعضهم على تكليف مالا يطاق بأنه تعالى قال: { لَّن تُحْصُوهُ } أي لن تطيقوه، ثم إنه كان قد كلفهم به، ويمكن أن يجاب عنه بأن المراد صعوبته لا أنهم لا يقدرون عليه كقول القائل: ما أطيق أن أنظر إلى فلان إذا استثقل النظر إليه. وقوله تعالى: { فَتَابَ عَلَيْكُمْ } هو عبارة عن الترخيص في ترك القيام المقدر كقوله تعالى:فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَٱلـنَ بَـٰشِرُوهُنَّ } [البقرة: 187] والمعنى أنه رفع التبعة عنكم في ترك هذا العمل كما رفع التبعة عن التائب. قوله تعالى: { فَٱقْرَءواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلْقُرْءانِ } وفيه قولان: الأول: أن المراد من هذه القراءة الصلاة لأن القراءة أحد أجزاء الصلاة، فأطلق اسم الجزء على الكل، أي فصلوا ما تيسر عليكم، ثم ههنا قولان: الأول: قال الحسن: يعني في صلاة المغرب والعشاء، وقال آخرون: بل نسخ وجوب ذلك التهجد واكتفى بما تيسر منه، ثم نسخ ذلك أيضاً بالصلوات الخمس القول الثاني: أن المراد من قوله: { فَٱقْرَءواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلْقُرْءانِ } قراءة القرآن بعينها والغرض منه دراسة القرآن ليحصل الأمن من النسيان قيل: يقرأ مائة آية، وقيل: من قرأ مائة آية كتب من القانتين، وقيل: خمسين آية ومنهم من قال: بل السورة القصيرة كافية، لأن إسقاط التهجد إنما كان دفعاً للحرج، وفي القراءة الكثيرة حرج فلا يمكن اعتبارها.

السابقالتالي
2