الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ كَلاَّ إِنَّهَا لَظَىٰ } * { نَزَّاعَةً لِّلشَّوَىٰ }

{ كَلاَّ } ردع للمجرم عن كونه بحيث يود الافتداء ببنيه، وعلى أنه لا ينفعه ذلك الافتداء، ولا ينجيه من العذاب، ثم قال: { إِنَّهَا } وفيه وجهان الأول: أن هذا الضمير للنار، ولم يجر لها ذكر إلا أن ذكر العذاب دل عليها والثاني: يجوز أن يكون ضمير القصة، ولظى من أسماء النار. قال الليث: اللظى، اللهب الخالص، يقال: لظت النار تلظى لظى، وتلظت تلظياً، ومنه قوله:نَاراً تَلَظَّىٰ } [الليل:14] ولظى علم للنار منقول من اللظى، وهو معرفة لا ينصرف، فلذلك لم ينون، وقوله: { نَزَّاعَةً } مرفوعة، وفي سبب هذا الارتفاع وجوه الأول: أن تجعل الهاء في أنها عماد، أو تجعل لظى اسم إن، ونزاعة خبر إن، كأنه قيل: إن لظى نزاعة والثاني: أن تجعل الهاء ضمير القصة، ولظى مبتدأ، ونزاعة خبراً، وتجعل الجملة خبراً عن ضمير القصة، والتقدير: إن القصة لظى نزاعة للشوى والثالث: أن ترتفع على الذم، والتقدير: إنها لظى وهي نزاعة للشوى، وهذا قول الأخفش والفراء والزجاج. وأما قراءة النصب ففيها ثلاثة أوجه أحدها: قال الزجاج: إنها حال مؤكدة، كما قال:هُوَ ٱلْحَقُّ مُصَدّقاً } [فاطر: 31] وكما يقول: أنا زيد معروفاً، اعترض أبو علي الفارسي على هذا وقال: حمله على الحال بعيد، لأنه ليس في الكلام ما يعمل في الحال، فإن قلت في قوله: { لَظَىٰ } معنى التلظي والتلهب، فهذا لا يستقيم، لأن لظى اسم علم لماهية مخصوصة، والماهية لا يمكن تقييدها بالأحوال، إنما الذي يمكن تقييده بالأحوال هو الأفعال، فلا يمكن أن يقال: رجلاً حال كونه عالماً، ويمكن أن يقال: رأيت رجلاً حال كونه عالماً وثانيها: أن تكون لظى اسماً لنار تتلظى تلظياً شديداً، فيكون هذا الفعل ناصباً، لقوله: { نَزَّاعَةً } وثالثها: أن تكون منصوبة على الاختصاص، والتقدير: إنها لظى أعنيها نزاعة للشوى، ولم تمنع. المسألة الثالثة: { الشوى } الأطراف، وهي اليدان والرجلان، ويقال للرامي: إذا لم يصب المقتل أشوى، أي أصاب الشوى، والشوى أيضاً جلد الرأس، واحدتها شواة ومنه قول الأعشى:
قالت قتيلة ماله   قد جللت شيباً شواته
هذا قول أهل اللغة، قال مقاتل: تنزع النار الهامة والأطراف فلا تترك لحماً ولا جلداً إلا أحرقته، وقال سعيد بن جبير: العصب والعقب ولحم الساقين واليدين، وقال ثابت البناني: لمكارم وجه بني آدم. واعلم أن النار إذا أفنت هذه الأعضاء، فالله تعالى يعيدها مرة أخرى، كما قال:كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَـٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ } [النساء:56].