الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ ٱلنِّسَآءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ }

وفيه مسائل: المسألة الأولى: قرأ نافع وحفص عن عاصم { إنكم } بكسر الألف ومذهب نافع أن يكتفي بالاستفهام بالأولى من الثاني في كل القرآن. وقرأ ابن كثير { أئنكم } بهمزة غير ممدودة وبين الثانية، وقرأ أبو عمرو بهمزة ممدودة بالتخفيف، وبين الثانية. والباقون بهمزتين على الأصل. قال الواحدي: من استفهم كان هذا استفهاماً معناه الإنكار لقوله:أتأتون الفاحشة } [الأعراف: 80] وكل واحد من الاستفهامين جملة مستقلة لا تحتاج في تمامها إلى شيء. المسألة الثانية: قوله: { شهوة } مصدر. قال أبو زيد شهي يشهي شهوة وانتصابها على المصدر، لأن قوله: { أتأتون الرجال } معناه أتشتهون شهوة؟ وإن شئت قلت إنها مصدر وقع موقع الحال. المسألة الثالثة: في بيان الوجوه الموجبة لقبح هذا العمل. اعلم أن قبح هذا العمل كالأمر المقرر في الطباع، فلا حاجة فيه إلى تعديد الوجوه على التفصيل ثم نقول موجبات القبح فيه كثيرة: أولها: أن أكثر الناس يحترزون عن حصول الولد، لأن حصوله يحمل الإنسان على طلب المال وإتعاب النفس في الكسب، إلا أنه تعالى جعل الوقاع سبباً لحصول اللذة العظيمة، حتى أن الإنسان بطلب تلك اللذة يقدم على الوقاع، وحينئذ يحصل الولد شاء أم أبى، وبهذا الطريق يبقى النسل ولا ينقطع النوع، فوضع اللذة في الوقاع، كشبه الإنسان الذي وضع الفخ لبعض الحيوانات، فإنه لا بد وأن يضع في ذلك الفخ شيئاً يشتهيه ذلك الحيوان حتى يصير سبباً لوقوعه في ذلك الفخ، فوضع اللذة في الوقاع يشبه وضع الشيء الذي يشتهيه الحيوان في الفخ، والمقصود منه إبقاء النوع الإنساني الذي هو أشرف الأنواع. إذا ثبت هذا فنقول: لو تمكن الإنسان من تحصيل تلك اللذة بطريق لا تفضي إلى الولد، لم تحصل الحكمة المطلوبة، ولأدى ذلك إلى انقطاع النسل، وذلك على خلاف حكم الله، فوجب الحكم بتحريمه قطعاً، حتى تحصل تلك اللذة بالطريق المفضي إلى الولد. والوجه الثاني: وهو أن الذكورة مظنة الفعل، والأنوثة مظنة الانفعال، فإذا صار الذكر منفعلاً، والأنثى فاعلاً، كان ذلك على خلاف مقتضى الطبيعة، وعلى عكس الحكمة الإلهية. والوجه الثالث: الاشتغال بمحض الشهوة تشبه بالبهيمة، وإذا كان الاشتغال بالشهوة يفيد فائدة أخرى سوى قضاء الشهوة، فليكن قضاء الشهوة من المرأة يفيد فائدة أخرى سوى قضاء الشهوة، وهو حصول الولد وإبقاء النوع الإنساني الذي هو أشرف الأنواع فأما قضاء الشهوة من الذكر فإنه لا يفيد إلا مجرد قضاء الشهوة، فكان ذلك تشبهاً بالبهائم، وخروجاً عن الغريزة الإنسانية، فكان في غاية القبح. والوجه الرابع: هب أن الفاعل يلتذ بذلك العمل، إلا أنه يبقى في إيجاب العار العظيم، والعيب الكامل بالمفعول على وجه لا يزول ذلك العيب عنه أبداً لدهر، والعاقل لا يرضى لأجل لذة خسيسة منقضية في الحال، إيجاب العيب الدائم الباقي بالغير.

السابقالتالي
2