الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِيۤ أَرْضِ ٱللَّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ ٱلْجِبَالَ بُيُوتاً فَٱذْكُرُوۤاْ آلآءَ ٱللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ }

اعلم أن هذا هو القصة الثالثة، وهو قصة صالح. أما قوله: { وإلى ثمود } فالمعنىولقد أرسلنا نوحاً } [الأعراف: 59]إلى عاد أخاهم هوداً } [الأعراف: 65]وإلى ثمود أخاهم صالحاً } [هود: 61] وفيه مسائل: المسألة الأولى: قال أبو عمرو بن العلاء: سميت ثموداً لقلة مائها من الثمد، وهو الماء القليل، وكانت مساكنهم الحجر بين الحجاز والشام وإلى وادي القرى، وقيل سميت ثمود لأنه اسم أبيهم الأكبر وهو ثمود بن عاد بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام. المسألة الثانية: قرىء { وإلى ثمود } يمنع التصرف بتأويل القبيلة { وإلى ثمود } بالصرف بتأويل الحي أو باعتبار الأصل لأنه اسم أبيهم الأكبر، وقد ورد القرآن بهما صريحاً. قال تعالى:ألا إن ثموداً كفروا ربهم ألا بعداً لثمود } [هود: 68]. واعلم أنه تعالى حكى عنه أنه أمرهم بعبادة الله ونهاهم عن عبادة غير الله كما ذكره من قبله من الأنبياء. ثم قال: { قد جاءتكم بينة من ربكم } وهذه الزيادة مذكورة في هذه القصة، وهي تدل على أن كل من كان قبله من الأنبياء كانوا يذكرون الدلائل على صحة التوحيد والنبوة، لأن التقليد وحده لو كان كافياً لكانت تلك البينة ههنا لغواً، ثم بين أن تلك البينة هي الناقة فقال: { هذه ناقة الله لكم آية } وفيه مسائل: المسألة الأولى: ذكروا أنه تعالى لما أهلك عاداً قام ثمود مقامهم، وطال عمرهم وكثر تنعمهم، ثم عصوا الله، وعبدوا الأصنام، فبعث الله إليهم صالحاً وكان منهم، فطالبوه بالمعجزة. فقال: ما تريدون. فقالوا: تخرج معنا في عيدنا، ونخرج أصنامنا وتسأل إلهك ونسأل أصنامنا، فإذا ظهر أثر دعائك اتبعناك، وإن ظهر أثر دعائنا اتبعتنا، فخرج معهم فسألوه أن يخرج لهم ناقة كبيرة من صخرة معينة، فأخذ مواثيقهم أنه إن فعل ذلك آمنوا فقبلوا، فصلى ركعتين ودعا الله فتمخضت تلك الصخرة كما تتمخض الحامل، ثم انفرجت وخرجت الناقة من وسطها، وكانت في غاية الكبر وكان الماء عندهم قليلاً فجعلوا ذلك الماء بالكلية شرباً لها في يوم، وفي اليوم الثاني شرباً لكل القوم قال السدي: وكانت الناقة في اليوم التي تشرب فيه الماء تمر بين الجبلين فتعلوهما ثم تأتي فتشرب فتحلب ما يكفي الكل، وكأنها كانت تصب اللبن صباً، وفي اليوم الذي يشربون الماء فيه لا تأتيهم وكان معها فصيل لها. فقال لهم صالح: يولد في شهركم هذا غلام يكون هلاككم على يديه، فذبح تسعة نفر منهم أبناءهم، ثم ولد العاشر فأبى أن يذبحه أبوه، فنبت نباتاً سريعاً، ولما كبر الغلام جلس مع قوم يصيبون من الشراب، فأرادوا ماء يمزجونه به، وكان يوم شرب الناقة فما وجدوا الماء، واشتد ذلك عليهم، فقال الغلام: هل لكم في أن أعقر هذه الناقة؟ فشد عليها، فلما بصرت به شدت عليه، فهرب منها إلى خلف صخرة فأحاشوها عليه، فلما مرت به تناولها فعقرها فسقطت.

السابقالتالي
2 3