الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَهُوَ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّىٰ إِذَآ أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ ٱلْمَآءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ كَذٰلِكَ نُخْرِجُ ٱلْموْتَىٰ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } * { وَٱلْبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَٱلَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً كَذٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ }

اعلم أن في كيفية النظم وجهين: الأول: أنه تعالى لما ذكر دلائل الإلهية. وكمال العلم، والقدرة من العالم العلوي، وهو السموات والشمس والقمر والنجوم، أتبعه بذكر الدلائل من بعض أحوال العالم السفلي. واعلم أن أحوال هذا العالم محصورة في أمور أربعة: الآثار العلوية، والمعادن، والنبات، والحيوان، ومن جملة الآثار العلوية الرياح، والسحاب، والأمطار ويترتب على نزول الأمطار أحوال النبات، وذلك هو المذكور في هذه الآية. الوجه الثاني: في تقرير النظم أنه تعالى لما أقام الدلالة في الآية الأولى على وجود الإله القادر العالم الحكيم الرحيم، أقام الدلالة في هذه الآية على صحة القول بالحشر والنشر والبعث والقيامة ليحصل بمعرفة هاتين الآيتين كل ما يحتاج إليه في معرفة المبدأ والمعاد، وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي { ٱلرّيحَ } على لفظ الواحد والباقون { ٱلرّيَاح } على لفظ الجمع، فمن قرأ { ٱلرّيَاح } بالجمع حسن وصفها بقوله: { بَشَرًا } فإنه وصف الجمع بالجمع، ومن قرأ { ٱلرّيحَ } واحدة قرأ { بُشرًا } جمعاً لأنه أراد بالريح الكثرة كقولهم كثير الدرهم والدينار والشاة والبعير وكقوله:إِنَّ ٱلإنسَـٰنَ لَفِى خُسْرٍ } [العصر: 2] ثم قال:إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } [العصر: 3] فلما كان المراد بالريح الجمع وصفها بالجمع وأما قوله: { نَشْراً } ففيه قراءات: إحداها: قراءة الأكثرين { نُشُراً } بضم النون والشين، وهو جمع نشور مثل رسل ورسول، والنشور بمعنى المنشر كالركوب بمعنى المركوب، فكان المعنى رياح منشرة أي مفرقة من كل جانب والنشر التفريق، ومنه نشر الثوب، ونشر الخشبة بالمنشار. وقال الفراء: النشر من الرياح الطيبة اللينة التي تنشر السحاب واحدها نشور وأصله من النشر، وهو الرائحة الطيبة ومنه قول امرىء القيس ونشر العطر. والقراءة الثانية: قرأ ابن عامر { نُشْراً } بضم النون وإسكان الشين، فخفف العين كما يقال كتب ورسل. والقراءة الثالثة: قرأ حمزة { نَشْراً } بفتح النون وإسكان الشين والنشر مصدر نشرت الثوب ضد طويته ويراد بالمصدر ههنا المفعول والرياح كأنها كانت مطوية، فأرسلها الله تعالى منشورة بعد انطوائها، فقوله: { نَشْراً } مصدر هو حال من الرياح والتقدير: أرسل الرياح منشرات، ويجوز أيضاً أن يكون النشر هنا بمعنى الحياة من قولهم أنشر الله الميت فنشر. قال الأعشى:
يا عجباً للميت الناشر   
فإذا حملته على ذلك وهو الوجه. كان المصدر مراداً به الفاعل كما تقول: أتاني ركضاً أي راكضاً، ويجوز أيضاً أن يقال: أن أرسل ونشر متقاربان، فكأنه قيل: وهو الذي ينشر الرياح نشراً. والقراءة الرابعة: حكى صاحب «الكشاف» عن مسروق { نَشْراً } بمعنى منشورات فعل بمعنى مفعول كنقض وحسب ومنه قولهم: ضم نشره. والقراءة الخامسة: قراءة عاصم { بشرًا } بالباء المنقطة بالمنطقة الواحدة من تحت جمع بشيراً على بشر من قوله تعالى: { يُرْسِلَ ٱلرّيَـٰحَ مُبَشّرٰتٍ } أي تبشر بالمطر والرحمة، وروى صاحب «الكشاف» { بشرًا } بضم الشين وتخفيفه و { بشرًا } بفتح الباء وسكون الشين مصدر من بشره بمعنى بشره أي باشرات وبشرى.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8