الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَنَادَىۤ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَابَ ٱلنَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ } * { ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ كَافِرُونَ }

اعلم أنه تعالى لما شرح وعيد الكفار وثواب أهل الإيمان والطاعات أتبعه بذكر المناظرات التي تدور بين الفريقين وهي الأحوال التي ذكرها في هذه الآية. واعلم أنه تعالى لما ذكر في الآية المتقدمة قوله:وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ ٱلْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا } [الأعراف:43] دل ذلك على أنهم استقروا في الجنة في وقت هذا النداء فلما قال بعده: { وَنَادَى أَصْحَـٰبُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَـٰبَ ٱلنَّارِ } دل ذلك على أن هذا النداء إنما حصل بعد الاستقرار، قال ابن عباس: وجدنا ما وعدنا ربنا في الدنيا من الثواب حقاً فهل وجدتم ما وعدكم ربكم من العقاب حقاً؟ والغرض من هذا السؤال إظهار أنه وصل إلى السعادات الكاملة وإيقاع الحزن في قلب العدو وههنا سؤالات: السؤال الأول: إذا كانت الجنة في أعلى السموات والنار في أسفل الأرضين فمع هذا البعد الشديد كيف يصح هذا النداء؟ والجواب: هذا يصح على قولنا: لأنا عندنا البعد الشديد والقرب الشديد ليس من موانع الإدراك، والتزم القاضي ذلك وقال: إن في العلماء من يقول في الصوت خاصية إن البعد فيه وحده لا يكون مانعاً من السماع. السؤال الثاني: هذا النداء يقع من كل أهل الجنة لكل أهل النار أو من البعض للبعض؟ والجواب: أن قوله: { وَنَادَى أَصْحَـٰبُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَـٰبَ ٱلنَّارِ } يفيد العموم والجمع إذا قوبل بالجمع يوزع الفرد على الفرد، وكل فريق من أهل الجنة ينادي من كان يعرفه من الكفار في الدنيا. السؤال الثالث: ما معنى { أَن } في قوله: { أَن قَدْ وَجَدْنَا }. والجواب: إنه يحتمل أن تكون مخففة من الثقيلة، وأن تكون مفسرة كالتي سبقت في قوله:أَن تِلْكُمُ ٱلْجَنَّةُ } [الأعراف: 43] وكذلك في قوله: { أَن لَّعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّـٰلِمِينَ }. السؤال الرابع: هلا قيل: مَا وَعَدَكُمُ رَبُّكُمْ حَقّا كما قيل: { مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا }. والجواب: قوله: { مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّا } يدل على أنه تعالى خاطبهم بهذا الوعد، وكونهم مخاطبين من قبل الله تعالى بهذا الوعد يوجب مزيد التشريف. ومزيد التشريف لائق بحال المؤمنين، أما الكافر فهو ليس أهلاً لأن يخاطبه الله تعالى، فلهذا السبب لم يذكر الله تعالى أنه خاطبهم بهذا الخطاب بل ذكر تعالى أنه بين هذا الحكم. أما قوله تعالى: { قَالُواْ نَعَمْ } ففيه مسائل: المسألة الأولى: الآية تدل على أن الكفار يعترفون يوم القيامة بأن وعد الله ووعيده حق وصدق ولا يمكن ذلك إلا إذا كانوا عارفين يوم القيامة بذات الله وصفاته. فإن قيل: لما كانوا عارفين بذاته وصفاته، وثبت أن من صفاته أنه يقبل التوبة عن عباده، وعلموا بالضرورة أن عند قبول التوبة يتخلصون من العذاب، فلم لا يتوبون ليخلصوا أنفسهم من العذاب؟ وليس لقائل أن يقول إنه تعالى إنما يقبل التوبة في الدنيا لأن قوله تعالى:

السابقالتالي
2 3