الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَابَنِيۤ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ } * { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ ٱلرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }

اعلم أن الله تعالى لما أمر بالقسط في الآية الأولى، وكان من جملة القسط أمر اللباس وأمر المأكول والمشروب، لا جرم أتبعه بذكرهما، وأيضاً لما أمر بإقامة الصلاة في قوله:وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ } [الأعراف: 29] وكان ستر العورة شرطاً لصحة الصلاة لا جرم أتبعه بذكر اللباس، وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: قال ابن عباس: إن أهل الجاهلية من قبائل العرب كانوا يطوفون بالبيت عُراة الرجال بالنهار، والنساء بالليل، وكانوا إذا وصلوا إلى مسجد منى، طرحوا ثيابهم وأتوا المسجد عُراة. وقالوا: لا نطوف في ثياب أصبنا فيها الذنوب، ومنهم من يقول: نفعل ذلك تفاؤلاً حتى نتعرى عن الذنوب كما تعرينا عن الثياب، وكانت المرأة منهم تتخذ ستراً تعلقه على حقويها، لتستتر به عن الحمس، وهم قريش، فإنهم كانوا لا يفعلون ذلك، وكانوا يصلون في ثيابهم، ولا يأكلون من الطعام إلا قوتاً، ولا يأكلون دسماً، فقال المسلمون: يا رسول الله فنحن أحق أن نفعل ذلك، فأنزل الله تعالى هذه الآية، أي: «البسوا ثيابكم وكلوا اللحم والدسم واشربوا ولا تسرفوا». المسألة الثانية: المراد من الزينة لبس الثياب، والدليل عليه قوله تعالى:وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ } [النور: 31] يعني الثياب، وأيضاً فالزينة لا تحصل إلا بالستر التام للعورات، ولذلك صار التزيين بأجود الثياب في الجمع والأعياد سنة، وأيضاً أنه تعالى قال في الآية المتقدمة:قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوٰرِى سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا } [الأعراف: 26] فبين أن اللباس الذي يواري السوأة من قبيل الرياش والزينة، ثم إنه تعالى أمر بأخذ الزينة في هذه الآية، فوجب أن يكون المراد من هذه الزينة هو الذي تقدم ذكره في تلك الآية فوجب حمل هذه الزينة على ستر العورة، وأيضاً فقد أجمع المفسرون على أن المراد بالزينة ههنا لبس الثوب الذي يستر العورة، وأيضاً فقوله: { خُذُواْ زِينَتَكُمْ } أمر والأمر للوجوب، فثبت أن أخذ الزينة واجب، وكل ما سوى اللبس فغير واجب، فوجب حمل الزينة على اللبس عملاً بالنص بقدر الإمكان. إذا عرفت هذا فنقول: قوله: { خُذُواْ زِينَتَكُمْ } أمر، وظاهر الأمر للوجوب، فهذا يدل على وجوب ستر العورة عنه إقامة كل صلاة، وههنا سؤالان: السؤال الأول: إنه تعالى عطف عليه قوله: { وَكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ } ولا شك أن ذلك أمر إباحة فوجب أن يكون قوله: { خُذُواْ زِينَتَكُمْ } أمر إباحة أيضاً. وجوابه: أنه لا يلزم من ترك الظاهر في المعطوف تركه في المعطوف عليه، وأيضاً فالأكل والشرب قد يكونان واجبين أيضاً في الحكم. السؤال الثاني: أن هذه الآية نزلت في المنع من الطواف حال العري. والجواب: أنا بينا في أصول الفقه أن العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب.

السابقالتالي
2 3 4 5