الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَٰهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }

اعلم أن في نظم الآية وجهين: الأول: أنه تعالى لما تكلم في التوحيد والنبوة والقضاء والقدر أتبعه بالكلام في المعاد، لما بينا أن المطالب الكلية في القرآن ليست إلا هذه الأربعة. الثاني: أنه تعالى لما قال في الآية المتقدمةوَأَنْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَدِ ٱقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ } [الأعراف: 185] باعثاً بذلك عن المثابرة إلى التوبة والإصلاح قال بعده: { يَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ } ليتحقق في القلوب أن وقت الساعة مكتوم عن الخلق، فيصير ذلك حاملاً للمكلفين على المسارعة إلى التوبة وأداء الواجبات، وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: اختلفوا في أن ذلك السائل من هو؟ قال ابن عباس: إن قوماً من اليهود قالوا يا محمد أخبرنا متى تقوم الساعة فنزلت هذه الآية، وقال الحسن وقتادة: إن قريشاً قالوا: يا محمد بيننا وبينك قرابة، فاذكر لنا متى الساعة؟ المسألة الثانية: قال صاحب «الكشاف»: الساعة من الأسماء الغالبة كالنجم للثريا وسميت القيامة بالساعة لوقوعها بغتة، أو لأن حساب الخلق يقضي فيها في ساعة واحدة فسمي بالساعة لهذا السبب أو لأنها على طولها كساعة واحدة عند الخلق. المسألة الثالثة: أيان معناه الاستفهام عن الوقت الذي يجيء، وهو سؤال عن الزمان وحاصل الكلام أن أيان بمعنى متى، وفي اشتقاقه قولان: المشهور أنه مأخوذ من الأين وأنكره ابن جني وقال: { أَيَّانَ } سؤال عن الزمان، وأين سؤال عن المكان، فكيف يكون أحدهما مأخوذاً من الآخر. والثاني: وهو الذي اختاره ابن جني أن اشتقاقه من أي فعلان منه، لأن معناه أي وقت ولفظة أي، فعل من أويت إليه، لأن البعض آو إلى مكان الكل متسانداً إليه هكذا. قال ابن جني: وقرأ السلمي إيان بكسر الهمز. المسألة الرابعة: مرساها «المرسي» ههنا مصدر بمعنى الإرساء لقوله تعالى:بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا } [هود: 41] أي إجراؤها وإرساؤها، والإرساء الإثبات يقال رسى يرسوا إذا ثبت. قال تعالى:وَٱلْجِبَالَ أَرْسَـٰهَا } [النازعات: 32] فكان الرسو ليس اسماً لمطلق الثبات، بل هو اسم لثبات الشيء إذا كان ثقيلاً ومنه إرساء الجبل، وإرساء السفينة، ولما كان أثقل الأشياء على الخلق هو الساعة، بدليل قوله: { ثَقُلَتْ فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } لا جرم سمى الله تعالى وقوعها وثبوتها بالإرساء. ثم قال تعالى: { قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي } أي لا يعلم الوقت الذي فيه يحصل قيام القيامة إلا الله سبحانه ونظيره قوله سبحانه:إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } [لقمان: 34] وقوله:إِنَّ ٱلسَّاعَةَ ءاتِيَةٌ لاَ رَيْبَ فِيهَا } [الحج: 7] وقوله:إِنَّ ٱلسَّاعَةَ ءاتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا } [طه: 15] ولما سأل جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: متى الساعة فقال عليه السلام: " ليس المسؤول عنها بأعلم من السائل "

السابقالتالي
2 3