الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذ نَتَقْنَا ٱلْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ وَٱذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }

قال أبو عبيدة: أصل النتق قلع الشيء من موضعه، والرمي به. يقال: نتق ما في الجراب إذا رمى به وصبه. وامرأة ناتق ومنتاق إذا كثر ولدها لأنها ترمي بأولادها رمياً فمعنى { نَتَقْنَا ٱلْجَبَلَ } أي قلعناه من أصله وجعلناه فوقهم وقوله: { كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ } قال ابن عباس: كأنه سقيفة والظلة كل ما أظلك من سقف بيت أو سحابة أو جناح حائط، والجمع ظلل وظلال، وهذه القصة مذكورة في سورة البقرة { وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ } قال المفسرون: علموا وأيقنوا. وقال أهل المعاني: قوي في نفوسهم أنه واقع بهم إن خالفوه، وهذا هو الأظهر في معنى الظن، ومضى الكلام فيه عند قولهٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَـٰقُوا رَبّهِمْ } [البقرة: 46] روي أنهم أبوا أن يقبلوا أحكام التوراة لغلظها وثقلها، فرفع الله الطور على رؤوسهم مقدار عسكرهم، وكان فرسخاً في فرسخ، وقيل لهم: إن قبلتموها بما فيها وإلا ليقعن عليكم، فلما نظروا إلى الجبل خر كل واحد منهم ساجداً على حاجبه الأيسر، وهو ينظر بعينه اليمنى خوفاً من سقوطه، فلذلك لا ترى يهودياً يسجد إلا على حاجبه الأيسر وهو ينظر بعينه اليمنى، ويقولون هي السجدة التي رفعت عنا بها العقوبة. ثم قال تعالى: { خُذُواْ مَا ءاتَيْنَـٰكُم بِقُوَّةٍ } أي وقلنا خذوا ما آتيناكم أو قائلين: خذوا ما آتيناكم من الكتاب بقوة وعزم على احتمال مشاقه وتكاليفه { وَٱذْكُرُواْ مَا فِيهِ } من الأوامر والنواهي، أي واذكروا ما فيه من الثواب والعقاب، ويجوز أن يراد: خذوا ما آتيناكم من الآية العظيمة بقوة، إن كنتم تطيقونه كقوله:إِنِ ٱسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَـٰرِ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ فَٱنفُذُواْ } [الرحمٰن: 33] واذكروا ما فيه من الدلالة على القدرة الباهرة لعلكم تتقون ما أنتم عليه.