الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ أُمَماً مِّنْهُمُ ٱلصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذٰلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِٱلْحَسَنَاتِ وَٱلسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }

واعلم أن قوله: { وَقَطَّعْنَـٰهُمْ } أحد ما يدل على أن الذي تقدم من قوله:لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ } [الأعراف: 167] المراد جملة اليهود، ومعنى { قطعناهم } أي فرقناهم تفريقاً شديداً. فلذلك قال بعده: { فِي ٱلأَرْضِ أُمَمًا } وظاهر ذلك أنه لا أرض مسكونة إلا ومنهم فيها أمة، وهذا هو الغالب من حال اليهود، ومعنى قطعناهم، فإنه قلما يوجد بلد إلا وفيه طائفة منهم. ثم قال: { مّنْهُمُ ٱلصَّـٰلِحُونَ } قيل المراد القوم الذين كانوا في زمن موسى عليه السلام لأنه كان فيهم أمة يهدون بالحق. وقال ابن عباس ومجاهد: يريد الذين أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم وآمنوا به وقوله: { وَمِنْهُمْ دُونَ ذٰلِكَ } أي ومنهم قوم دون ذلك، والمراد من أقام على اليهودية. فإن قيل: لم لا يجوز أن يكون قوله: { وَمِنْهُمْ دُونَ ذٰلِكَ } من يكون صالحاً إلا أن صلاحه كان دون صلاح الأولين لأن ذلك إلى الظاهر أقرب. قلنا: أن قوله بعد ذلك: { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } يدل على أن المراد بذلك من ثبت على اليهودية وخرج من الصلاح. أما قوله: { وَبَلَوْنَـٰهُمْ بِٱلْحَسَنَـٰتِ وَٱلسَّيّئَاتِ } أي عاملناهم معاملة المبتلى المختبر بالحسنات، وهي النعم والخصب والعافية، والسيئات هي الجدب والشدائد، قال أهل المعاني: وكل واحد من الحسنات والسيئات يدعو إلى الطاعة، أما النعم فلأجل الترغيب، وأما النقم فلأجل الترهيب. وقوله: { يَرْجِعُونَ } يريد كي يتوبوا.