الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } * { فَلَماَّ نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُوۤءِ وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ }

اعلم أن قوله: { وَإِذْ قَالَتْ } معطوف على قوله: { إِذْ يَعْدُونَ } وحكمه حكمه في الإعراب وقوله: { أُمَّةٌ مِّنْهُمْ } أي جماعة من أهل القرية من صلحائهم الذين ركبوا الصعب والذلول في موعظة أولئك الصيادين حتى أيسوا من قبولهم لأقوام آخرين ما كانوا يقلعون عن وعظهم. وقوله: { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ } أي مخترمهم ومطهر الأرض منهم { أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيدًا } لتماديهم في الشر، وإنما قالوا ذلك لعلمهم أن الوعظ لا ينفعهم وقوله: { قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ } فيه بحثان: البحث الأول: قرأ حفص عن عاصم { مَعْذِرَةً } بالنصب والباقون بالرفع، أما من نصب { مَعْذِرَةً } فقال الزجاج معناه: نعتذر معذرة، وأما من رفع فالتقدير: هذه معذرة أو قولنا معذرة وهي خبر لهذا المحذوف. البحث الثاني: المعذرة مصدر كالعذر، وقال أبو زيد: عذرته أعذره عذراً ومعذرة، ومعنى عذره في اللغة أي قام بعذره، وقيل: عذره، يقال: من يعذرني أي يقوم بعذري، وعذرت فلاناً فيما صنع أي قمت بعذره، فعلى هذا معنى قوله: { مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبّكُمْ } أي قيام منا بعذر أنفسنا إلى الله تعالى، فإنا إذا طولنا بإقامة النهي عن المنكر.قلنا: قد فعلنا فنكون بذلك معذورين، وقال الأزهري: المعذرة اسم على مفعلة من عذر يعذر وأقيم مقام الاعتذار. كأنهم قالوا: موعظتنا اعتذار إلى ربنا. فأقيم الاسم مقام الاعتذار، ويقال: اعتذر فلان اعتذاراً وعذراً ومعذرة من ذنبه فعذرته، وقوله: { وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } أي وجائز عندنا أن ينتفعوا بهذا الوعظ فيتقوا الله ويتركوا هذا الذنب. إذا عرفت هذا فنقول: في هذه الآية قولان: القول الأول: أن أهل القرية منهم من صاد السمك وأقدم على ذلك الذنب ومنهم من لم يفعل ذلك، وهذا القسم الثاني صاروا قسمين: منهم من وعظ الفرقة المذنبة، وزجرهم عن ذلك الفعل، ومنهم من سكت عن ذلك الوعظ، وأنكروا على الواعظين وقالوا لهم: لم تعظوهم، مع العلم بأن الله مهلكهم أو معذبهم؟ يعني: أنهم قد بلغوا في الإصرار على هذا الذنب إلى حد لا يكادون يمنعون عنه، فصار هذا الوعظ عديم الفائدة عديم الأثر، فوجب تركه. والقول الثاني: أن أهل القرية كانوا فرقتين: فرقة أقدمت على الذنب، وفرقة أحجموا عنه ووعظوا الأولين، فلما اشتغلت هذه الفرقة بوعظ الفرقة المذنبة المتعدية المقدمة على القبيح، فعند ذلك قالت الفرقة المذنبة للفرقة الواعظة { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذّبُهُمْ } بزعمكم؟ قال الواحدي: والقول الأول أصح، لأنهم لو كانوا فرقتين وكان قوله: { مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبّكُمْ } خطاباً من الفرقة الناهية للفرقة المعتدية لقالوا: وَلَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. أما قوله: { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ } يعني: أنهم لما تركوا ما ذكرهم به الصالحون ترك الناسي لما ينساه، أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الظالمين المقدمين على فعل المعصية.

السابقالتالي
2