الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ ٱسْكُنُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُواْ حِطَّةٌ وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيۤئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ }

اعلم أن هذه القصة أيضاً مذكورة مع الشرح والبيان في سورة البقرة. بقي أن يقال: إن ألفاظ هذه الآية تخالف ألفاظ الآية التي في سورة البقرة من وجوه: الأول: في سورة البقرةوَإِذْ قُلْنَا ٱدْخُلُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ } [البقرة: 58] وههنا قال: { وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ ٱسْكُنُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ } والثاني: أنه قال في سورة البقرة { فَكُلُواْ } بالفاء وههنا { وَكُلُواْ } بالواو. والثالث: أنه قال في سورة البقرة { رَغَدًا } وهذه الكلمة غير مذكورة في هذه السورة. والرابع: أنه قال في سورة البقرة: { وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُواْ حِطَّةٌ } وقال ههنا على التقديم والتأخير. والخامس: أنه قال في البقرة { نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَـٰيَـٰكُمْ } وقال ههنا: { نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَـٰتِكُمْ } والسادس: أنه قال في سورة البقرة: { وَسَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ } وههنا حذف حرف الواو. والسابع: أنه قال في سورة البقرة:فَأَنزَلْنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } [البقرة:59]وقال ههنا: { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ } والثامن: أنه قال في سورة البقرة: { بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } وقال ههنا: { بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ } واعلم أن هذه الألفاظ متقاربة ولا منافاة بينها البتة، ويمكن ذكر فوائد هذه الألفاظ المختلفة. أما الأول: وهو أنه قال في سورة البقرة: { ٱدْخُلُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ } وقال ههنا: { ٱسْكُنُواْ } فالفرق أنه لا بد من دخول القرية أولاً، ثم سكونها ثانياً. وأما الثاني: فهو أنه تعالى قال في البقرة:ٱدْخُلُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ فَكُلُواْ } [البقرة: 58] بالفاء. وقال ههنا: { ٱسْكُنُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ وَكُلُواْ } بالواو والفرق أن الدخول حالة مخصوصة، كما يوجد بعضها ينعدم. فإنه إنما يكون داخلاً في أول دخوله، وأما ما بعد ذلك فيكون سكوناً لا دخولاً. إذا ثبت هذا فنقول: الدخول حالة منقضية زائلة وليس لها استمرار. فلا جرم يحسن ذكر فاء التعقيب بعده، فلهذا قال: { ٱدْخُلُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ } وأما السكون فحالة مستمرة باقية. فيكون الأكل حاصلاً معه لا عقيبه فظهر الفرق. وأما الثالث: وهو أنه ذكر في سورة البقرة { رَغَدًا } وما ذكره هنا فالفرق الأكل عقيب دخول القرية يكون ألذ، لأن الحاجة إلى ذلك الأكل كانت أكمل وأتم، ولما كان ذلك الأكل ألذ لا جرم ذكر فيه قوله: { رَغَدًا } وأما الأكل حال سكون القرية، فالظاهر أنه لا يكون في محل الحاجة الشديدة ما لم تكن اللذة فيه متكاملة، فلا جرم ترك قوله: { رَغَدًا } فيه. وأما الرابع: وهو قوله في سورة البقرة: { وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُواْ حِطَّةٌ } وفي سورة الأعراف على العكس منه، فالمراد التنبيه على أنه يحسن تقديم كل واحد من هذين الذكرين على الآخر، إلا أنه لما كان المقصود منهما تعظيم الله تعالى، وإظهار الخضوع والخشوع لم يتفاوت الحال بحسب التقديم والتأخير.

السابقالتالي
2