الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ٱلنَّبِيِّ ٱلأُمِّيِّ ٱلَّذِي يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَٱتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }

اعلم أنه تعالى لما قال: { فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ } ثم بين تعالى أن من شرط حصول الرحمة لأولئك المتقين، كونهم متبعين للرسول النبي الأمي، حقق في هذه الآية رسالته إلى الخلق بالكلية. فقال: { قُلْ يا أَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنّى رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا } وفي هذه الكلمة مسألتان: المسألة الأولى: هذه الآية تدل على أن محمداً عليه الصلاة والسلام مبعوث إلى جميع الخلق. وقال طائفة من اليهود يقال لهم العيسوية وهم أتباع عيسى الأصفهاني: أن محمداً رسول صادق مبعوث إلى العرب. وغير مبعوث إلى بني إسرائيل. ودليلنا على إبطال قولهم هذه الآية. لأن قوله: { أَيُّهَا ٱلنَّاسُ } خطاب يتناول كل الناس. ثم قال: { إِنّى رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا } وهذا يقتضي كونه مبعوثاً إلى جميع الناس، وأيضاً فما يعلم بالتواتر من دينه، أنه كان يدعى أنه مبعوث إلى كل العالمين. فأما أن يقال: إنه كان رسولاً حقاً أو ما كان كذلك، فإن كان رسولاً حقاً، امتنع الكذب عليه. ووجب الجزم بكونه صادقاً في كل ما يدعيه، فلما ثبت بالتواتر وبظاهر هذه الآية أنه كان يدعي كونه مبعوثاً إلى جميع الخلق، وجب كونه صادقاً في هذا القول، وذلك يبطل قول من يقول: إنه كان مبعوثاً إلى العرب فقط، لا إلى بني إسرائيل. وأما قول القائل: إنه ما كان رسولاً حقاً، فهذا يقتضي القدح في كونه رسولاً إلى العرب وإلى غيرهم، فثبت أن القول بأنه رسول إلى بعض الخلق دون بعض كلام باطل متناقض. إذا ثبت هذا فنقول: قوله: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنّى رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا } من الناس من قال إنه عام دخله التخصيص ومنهم من أنكر ذلك، أما الأولون فقالوا: إنه دخله التخصيص من وجهين: الأول: أنه رسول إلى الناس إذاكانوا من جملة المكلفين فأما إذا لم يكونوا من جملة المكلفين لم يكن رسولاً إليهم، وذلك لأنه عليه الصلاة والسلام قال: " رفع القلم عن ثلاث عن الصبي حتى يبلغ وعن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق " والثاني: أنه رسول الله إلى كل من وصل إليه خبر وجوده وخبر معجزاته وشرائعه، حتى يمكنه عند ذلك متابعته، أما لو قدرنا حصول قوم في طرف من أطراف العالم لم يبلغهم خبر وجوده ولا خبر معجزاته، فهم لا يكونون مكلفين بالإقرار بنبوته ومن الناس من أنكر القول بدخول التخصيص في الآية من هذين الوجهين: أما الأول: فتقريره أن قوله: { يا أَيُّهَا ٱلنَّاسُ } خطاب وهذا الخطاب لا يتناول إلا المكلفين وإذا كان كذلك فالناس الذين دخلوا تحت قوله: { يا أَيُّهَا ٱلنَّاسُ } ليسوا إلا المكلفين من الناس، وعلى هذا التقدير فلم يلزم أن يقال: إن قوله: { يا أَيُّهَا ٱلنَّاسُ } عام دخله التخصيص.

السابقالتالي
2 3 4 5