الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَٰنَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيۤ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى ٱلأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ٱبْنَ أُمَّ إِنَّ ٱلْقَوْمَ ٱسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ ٱلأَعْدَآءَ وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ } * { قَالَ رَبِّ ٱغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ }

في الآية مسائل: المسألة الأولى: اعلم أن قوله: { وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَـٰنَ أَسِفًا } لا يمنع من أن يكون قد عرف خبرهم من قبل في عبادة العجل، ولا يوجب ذلك لجواز أن يكون عند الرجوع ومشاهدة أحوالهم صار كذلك، فلهذا السبب اختلفوا فيه فقال قوم: إنه عند هجومه عليهم عرف ذلك. وقال أبو مسلم: بل كان عارفاً بذلك من قبل، وهذا أقرب، ويدل عليه وجوه: الأول: أن قوله تعالى: { وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَـٰنَ أَسِفًا } يدل على أنه حال ما كان راجعاً كان غضبان أسفاً، وهو إنما كان راجعاً إلى قومه قبل وصوله إليهم، فدل هذا على أنه عليه السلام قبل وصوله إليهم كان عالماً بهذه الحالة. الثاني: أنه تعالى ذكر في سورة طه أنه أخبره بوقوع تلك الواقعة في الميقات. المسألة الثانية: في الأسف قولان: الأول: أن الأسف الشديد الغضب، وهو قول أبـي الدرداء وعطاء، عن ابن عباس واختيار الزجاج. واحتجوا بقوله:فَلَمَّا ءاسَفُونَا ٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ } [الزخرف: 55] أي أغضبونا. والثاني: وهو أيضاً قول ابن عباس والحسن والسدي، إن الآسف هو الحزين. وفي حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: إن أبا بكر رجل أسيف أي حزين. قال الواحدي: والقولان متقاربان، لأن الغضب من الحزن والحزن من الغضب، فإذا جاءك ما تكره ممن هو دونك غضبت، وإذا جاءك ممن هو فوقك حزنت. فتسمى إحدى هاتين الحالتين حزناً والأخرى غضباً، فعلى هذا كان موسى غضبان على قومه لأجل عبادتهم العجل، أسفاً حزيناً، لأن الله تعالى فتنهم. وقد كان تعالى قال له:إِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ } [طه: 85]. أما قوله: { بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِى مِن بَعْدِى } فمعناه بئسما قمتم مقامي وكنتم خلفائي من بعدي وهذا الخطاب إنما يكون لعبدة العجل من السامري وأشياعه أو لوجوه بنـي إسرائيل، وهم: هارون عليه السلام والمؤمنون معه، ويدل عليه قوله:ٱخْلُفْنِى فِى قَوْمِى } [الأعراف: 142] وعلى التقدير الأول يكون المعنى بئسما خلفتموني حيث عبدتم العجل مكان عبادة الله، وعلى هذا التقدير الثاني، يكون المعنى بئسما خلفتموني حيث لم تمنعوا من عبادة غير الله تعالى، وههنا سؤالات: السؤال الأول: أين ما يقتضيه «بئس» من الفاعل، والمخصوص بالذم. والجواب: الفاعل مضمر يفسره قوله: { مَا خَلَفْتُمُونِى } والمخصوص بالذم محذوف تقديره بئس خلافة خلفتمونيها من بعدي خلافتكم. السؤال الثاني: أي معنى لقوله: { مِن بَعْدِى } بعد قوله: { خَلَفْتُمُونِى }. والجواب: معناه من بعد ما رأيتم مني من توحيد الله تعالى، ونفي الشركاء عنه وإخلاص العبادة له أو من بعد ما كنت أحمل بنـي إسرائيل على التوحيد وأمنعهم من عبادة البقر حين قالوا: { ٱجْعَلْ لَّنَا إِلَـٰهًا كَمَا لَهُمْ ءالِهَةٌ } ومن حق الخلفاء أن يسيروا سيرة المستخلفين.

السابقالتالي
2 3