الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً ٱتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ }

اعلم أن المراد من هذه الآية قصة اتخاذ السامري العجل، وفيها مسائل: المسألة الأولى: قرأ حمزة والكسائي: { حُلِيّهِمْ } بكسر الحاء واللام وتشديد الياء للاتباع كدلـي. والباقون: { حُلِيّهِمْ } بضم الحاء وكسر اللام وتشديد الياء جمع حلي كثدي وثدي، وقرأ بعضهم: { مِنْ حُلِيّهِمْ } على التوحيد، والحلي اسم ما يتحسن به من الذهب والفضة. المسألة الثانية: قيل: إن بنـي إسرائيل كان لهم عيد يتزينون فيه ويستعيرون من القبط الحلي فاستعاروا حلي القبط لذلك اليوم، فلما أغرق الله القبط بقيت تلك الحلي في أيدي بنـي إسرائيل، فجمع السامري تلك الحلي وكان رجلاً مطاعاً فيهم ذا قدر وكانوا قد سألوا موسى عليه السلام أن يجعل لهم إلٰهاً يعبدونه، فصاغ السامري عجلاً. ثم اختلف الناس، فقال قوم كان قد أخذ كفاً من تراب حافر فرس جبريل عليه السلام فألقاه في جوف ذلك العجل فانقلب لحماً ودماً وظهر منه الخوار مرة واحدة. فقال السامري: هذا إلٰهكم وإلٰه موسى وقال أكثر المفسرين من المعتزلة: إنه كان قد جعل ذلك العجل مجوفاً ووضع في جوفه أنابيب على شكل مخصوص، وكان قد وضع ذلك التمثال على مهب الرياح، فكانت الريح تدخل في جوف الأنابيب ويظهر منه صوت مخصوص يشبه خوار العجل، وقال آخرون: إنه جعل ذلك التمثال أجوف، وجعل تحته في الموضع الذي نصب فيه العجل من ينفخ فيه من حيث لا يشعر به الناس فسمعوا الصوت من جوفه كالخوار. قال صاحب هذا القول والناس قد يفعلون الآن في هذه التصاوير التي يجرون فيها الماء على سبيل الفوارات ما يشبه ذلك، فبهذا الطريق وغيره أظهر الصوت من ذلك التمثال، ثم ألقى إلى الناس أن هذا العجل إلٰههم وإلٰه موسى. بقي في لفظ الآية سؤالات: السؤال الأول: لم قيل: { وَٱتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيّهِمْ عِجْلاً جَسَداً } والمتخذ هو السامري وحده؟. والجواب: فيه وجهان: الأول: أن الله نسب الفعل إليهم، لأن رجلاً منهم باشره كما يقال: بنو تميم قالوا كذا وفعلوا كذا، والقائل والفاعل واحد. والثاني: أنهم كانوا مريدين لاتخاذه راضين به، فكأنهم اجتمعوا عليه. السؤال الثاني: لم قال: { مِنْ حُلِيّهِمْ } ولم يكن الحلي لهم، وإنما حصل في أيديهم على سبيل العارية؟. والجواب: أنه تعالى لما أهلك قوم فرعون بقيت تلك الأموال في أيديهم، وصارت ملكاً لهم كسائر أملاكهم بدليل قوله تعالى:كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّـٰتٍ وَعُيُونٍ } [الدخان: 25]،وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ } [الشعراء: 58]،وَنَعْمَةٍ كَانُواْ فِيهَا فَـٰكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَـٰهَا قَوْماً ءاخَرِينَ } [الدخان: 27، 28]. السؤال الثالث: هؤلاء الذين عبدوا العجل هم كل قوم موسى أو بعضهم؟. والجواب: أن قوله تعالى: { وَٱتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيّهِمْ عِجْلاً } يفيد العموم.

السابقالتالي
2