الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَكَتَبْنَا لَهُ فِي ٱلأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُوْرِيكُمْ دَارَ ٱلْفَاسِقِينَ }

اعلم أنه تعالى لما بين أنه خص موسى -عليه السلام- بالرسالة ذكر في هذه الآية تفصيل تلك الرسالة فقال: { وَكَتَبْنَا لَهُ فِى ٱلاْلْوَاحِ } نقل صاحب «الكشاف» عن بعضهم: أن موسى خر صعقاً يوم عرفة. وأعطاه الله تعالى التوراة يوم النحر، وذكروا في عدد الألواح، وفي جوهرها وطولها أنها كانت عشرة ألواح. وقيل: سبعة. وقيل إنها كانت من زمردة جاء بها جبريل عليه السلام. وقيل من زبرجدة خضراء وياقوتة حمراء. وقال الحسن: كانت من خشب نزلت من السماء. وقال وهب: كانت من صخرة صماء لينها الله لموسى عليه السلام، وأما كيفية الكتابة. فقال ابن جريج كتبها جبريل بالقلم الذي كتب به الذكر واستمد من نهر النور. واعلم أنه ليس في لفظ الآية ما يدل على كيفية تلك الألواح، وعلى كيفية تلك الكتابة، فإن ثبت ذلك التفصيل بدليل منفصل قوي، وجب القول به وإلا وجب السكوت عنه. وأما قوله: { من كل شيء } فلا شبهة فيه أنه ليس على العموم، بل المراد من كل ما يحتاج إليه موسى وقومه في دينهم من الحلال والحرام والمحاسن والمقابح. وأما قوله: { مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لّكُلِّ شَىْءٍ } فهو كالبيان للجملة التي قدمها بقوله: { مِن كُلِّ شَىْءٍ } وذلك لأنه تعالى قسمه إلى ضربين: أحدهما: { مَّوْعِظَةً } والآخر { تَفْصِيلاً } لما يجب أن يعلم من الأحكام، فيدخل في الموعظة كل ما ذكره الله تعالى من الأمور التي توجب الرغبة في الطاعة والنفرة عن المعصية، وذلك بذكر الوعد والوعيد، ولما قرر ذلك أولاً أتبعه بشرح أقسام الأحكام وتفصيل الحلال والحرام، فقال: { وَتَفْصِيلاً لّكُلّ شَىْء } ولما شرح ذلك، قال لموسى: { فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ } أي بعزيمة قوية ونية صادقة، ثم أمره الله تعالى أن يأمر قومه بأن يأخذوا بأحسنها، وظاهر ذلك أن بين التكليفين فرقاً، ليكون في هذا التفصيل فائدة، ولذلك قال بعض المفسرين: إن التكليف كان على موسى عليه السلام أشد، لأنه تعالى لم يرخص له ما رخص لغيره، وقال بعضهم: بل خصه من حيث كلفه البلاغ والأداء. وإن كان مشاركاً لقومه فيما عداه، وفي قوله: { وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا }. سؤال: وهو أنه تعالى لما تعبد بكل ما في التوراة وجب كون الكل مأموراً به، وظاهر قوله { يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا } يقتضي أن فيه ما لبس بأحسن، وإنه لا يجوز لهم الأخذ به، وذلك متناقض وذكر العلماء في الجواب عنه وجوهاً: الأول: أن تلك التكاليف منها ما هو حسن ومنها ما هو أحسن، كالقصاص، والعفو، والانتصار، والصبر، أي فمرهم أن يحملوا أنفسهم على الأخذ بما هو أدخل في الحسن، وأكثر للثواب كقوله:

السابقالتالي
2