الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَقَدْ أَخَذْنَآ آلَ فِرْعَونَ بِٱلسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن ٱلثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } * { فَإِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـٰذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَلاۤ إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }

اعلم أنه تعالى لما حكى عن موسى عليه السلام أنه قال لقومه:عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ } [الأعراف: 129] لا جرم بدأ ههنا بذكر ما أنزله بفرعون وبقومه من المحن حالاً بعد حال، إلى أن وصل الأمر إلى الهلاك تنبيهاً للمكلفين على الزجر عن الكفر والتمسك بتكذيب الرسل، خوفاً من نزول هذه المحن بهم. فقال: { وَلَقَدْ أَخَذْنَا ءالَ فِرْعَوْنَ بِٱلسّنِينَ } وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: السنين جميع السنة قال أبو علي الفارسي: السنة على معنيين: أحدهما: يراد بها ـ الحول والعام ـ والآخر يراد بها ـ الجدب ـ وهو خلاف الخصب فمما أريد به الجدب هذه الآية وقوله صلى الله عليه وسلم: " اللهم اجعلها عليهم سنيناً كسنين يوسف " وقول عمر رضي الله عنه: إنا لا نقع في عام السنة، فلما كانت السنة يعني بها الجدب، اشتقوا منها كما يشتق من الجدب. ويقال: أسنتوا، كما يقال أجدبوا. قال الشاعر:
ورجال مكة مسنتون عجاف   
قال أبو زيد: بعض العرب تقول، هذه سنين ورأيت سنيناً، فتعرب النون. ونحوه. قال الفراء: ومنه قول الشاعر:
دعاني من نجد فإن سنينه   لعبن بنا وشيبننا مردا
قال الزجاج: السنين في كلام العرب الجدوب، يقال مستهم السنة ومعناه: جدب السنة. وشدة السنة. إذا عرفت هذا فنقول: قال المفسرون: { وَلَقَدْ أَخَذْنَا ءالَ فِرْعَوْنَ بالسنين } يريد الجوع والقحط عاماً بعد عام، فالسنون لأهل البوادي { وَنَقْصٍ مّن ٱلثَّمَرَاتِ } لأهل القرى. ثم قال تعالى: { لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } وفيه مسألتان: المسألة الأولى: ظاهر الآية أنه تعالى إنما أنزل عليهم هذه المضار لأجل أن يرجعوا عن طريقة التمرد والعناد إلى الانقياد والعبودية، وذلك لأن أحوال الشدة ترقق القلب وترغب فيما عند الله، والدليل عليه قوله تعالى:وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلْضُّرُّ فِى ٱلْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ } [الإسراء: 67] وقوله:وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ فَذُو دُعَاء عَرِيضٍ } [فصلت: 51]. المسألة الثانية: قال القاضي: هذه الآية تدل على أنه تعالى فعل ذلك إرادة منه أن يتذكروا، لا أن يقيموا على ما هم عليه من الكفر. أجاب الواحدي عنه: بأنه قد جاء لفظ الابتلاء والاختبار في القرآن، لا بمعنى أنه تعالى يمتحنهم، لأن ذلك على الله تعالى محال، بل بمعنى أنه تعالى عاملهم معاملة تشبه الابتلاء والامتحان، فكذا ههنا والله أعلم. ثم بين تعالى أنهم عند نزول تلك المحن عليهم يقدمون على ما يزيد في كفرهم ومعصيتهم فقال: { فَإِذَا جَاءتْهُمُ ٱلْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـٰذِهِ } قال ابن عباس: يريد بالحسنة العشب والخصب والثمار والمواشي والسعة في الرزق والعافية والسلامة { قَالُواْ لَنَا هَـٰذِهِ } أي نحن مستحقون على العادة التي جرت من كثرة نعمنا وسعة أرزاقنا، ولم يعلموا أنه من الله فيشكروه عليه ويقوموا بحق النعمة فيه.

السابقالتالي
2