الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ }

في الآية مسائل: المسألة الأولى: اعلم أن هذه الآية تدل على أنه تعالى لما أمر الملائكة بالسجود فإن ذلك الأمر قد تناول إبليس، وظاهر هذا يدل على أن إبليس كان من الملائكة، إلا أن الدلائل التي ذكرناها تدل على أن الأمر ليس كذلك وأما الاستثناء فقد أجبنا عنه في سورة البقرة. المسألة الثانية: ظاهر الآية يقتضي أنه تعالى، طلب من إبليس ما منعه من ترك السجود، وليس الأمر كذلك. فإن المقصود طلب ما منعه من السجود، ولهذا الإشكال حصل في الآية قولان: القول الأول: وهو المشهور أن كلمة لا صلة زائدة، والتقدير: ما منعك أن تسجد؟ٰ وله نظائر في القرآن كقوله:لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } [القيامة: 1] معناه: أقسم. وقوله:وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَـٰهَا أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } [الأنبياء: 95] أي يرجعون. وقوله:لّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ ٱلْكِتَـٰبِ } [الحديد: 29] أي ليعلم أهل الكتاب. وهذا قول الكسائي، والفراء، والزجاج، والأكثرين. والقول الثاني: أن كلمة { لا } ههنا مفيدة وليست لغواً وهذا هو الصحيح، لأن الحكم بأن كلمة من كتاب الله لغو لا فائدة فيها مشكل صعب، وعلى هذا القول ففي تأويل الآية وجهان: الأول: أن يكون التقدير: أي شيء منعك عن ترك السجود؟ٰ ويكون هذا الاستفهام على سبيل الإنكار ومعناه: أنه ما منعك عن ترك السجود؟ٰ كقول القائل لمن ضربه ظلماً: ما الذي منعك من ضربي، أدينك، أم عقلك، أم حياؤك؟ٰ والمعنى: أنه لم يوجد أحد هذه الأمور، وما امتنعت من ضربي. الثاني: قال القاضي: ذكر الله المنع وأراد الداعي فكأنه قال: ما دعاك إلى أن لا تسجد؟ٰ لأن مخالفة أمر الله تعالى حالة عظيمة يتعجب منها ويسأل عن الداعي إليها. المسألة الثالثة: احتج العلماء بهذه الآية على أن صيغة الأمر تفيد الوجوب، فقالوا: إنه تعالى ذم إبليس بهذه الآية على ترك ما أمر به ولو لم يفد الأمر الوجوب لما كان مجرد ترك المأمور به موجباً للذم. فإن قالوا: هب أن هذه الآية تدل على أن ذلك الأمر كان يفيد الوجوب، فلعل تلك الصيغة في ذلك الأمر كانت تفيد الوجوب. فلم قلتم إن جميع الصيغ يجب أن تكون كذلك؟ قلنا: قوله تعالى: { مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ } يفيد تعليل ذلك الذم بمجرد ترك الأمر، لأن قوله: { إِذْ أَمَرْتُكَ } مذكور في معرض التعليل، والمذكور في قوله: { إِذْ أَمَرْتُكَ } هو الأمر من حيث أنه أمر لا كونه أمراً مخصوصاً في صورة مخصوصة، وإذا كان كذلك، وجب أن يكون ترك الأمر من حيث إنه أمر موجبٌ للذم، وذلك يفيد أن كل أمر فإنه يقتضي الوجوب وهو المطلوب. المسألة الرابعة: احتج من زعم أن الأمر يفيد الفور بهذه الآية قال: إنه تعالى ذم إبليس على ترك السجود في الحال، ولو كان الأمر لا يفيد الفور لمااستوجب هذا الذم بترك السجود في الحال.

السابقالتالي
2 3 4