الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ }

وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: اعلم أنه تعالى رغب الأمم في قبول دعوة الأنبياء عليهم السلام بالتخويف أولاً ثم بالترغيب ثانياً على ما بيناه، والترغيب إنما كان لأجل التنبيه على كثرة نعم الله تعالى على الخلق، فبدأ في شرح تلك النعم بقوله:وَلَقَدْ مَكَّنَّـٰكُمْ فِى ٱلأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَـٰيِشَ } [الأعراف:10] ثم أتبعه بذكر أنه خلق أبانا آدم وجعله مسجوداً للملائكة، والإنعام على الأب يجري مجرى الإنعام على الابن فهذا هو وجه النظم في هذه الآيات، ونظيره أنه تعالى قال في أول سورة البقرة:كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوٰتًا فَأَحْيَـٰكُمْ } [البقرة: 28] فمنع تعالى من المعصية بقوله: { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ } وعلل ذلك المنع بكثرة نعمه على الخلق، وهو أنهم كانوا أمواتاً فأحياهم، ثم خلق لهم ما في الأرض جميعاً من المنافع، ثم أتبع تلك المنفعة بأن جعل آدم خليفة في الأرض مسجوداً للملائكة، والمقصود من الكل تقرير أن مع هذه النعم العظيمة لا يليق بهم التمرد والجحود فكذا في هذه السورة ذكر تعالى عين هذا المعنى بغير هذا الترتيب فهذا بيان وجه النظم على أحسن الوجوه: المسألة الثانية: اعلم أنه تعالى ذكر قصة آدم عليه السلام مع قصة إبليس في القرآن في سبعة مواضع: أولها: في سورة البقرة، وثانيها: في هذه السورة، وثالثها: في سورة الحجر، ورابعها: في سورة بني إسرائيل، وخامسها: في سورة الكهف، وسادسها: في سورة طه، وسابعها: في سورة ص. إذا عرفت هذا فنقول: في هذه الآية سؤال، وهو أن قوله تعالى: { وَلَقَدْ خَلَقْنَـٰكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَـٰكُمْ } يفيد أن المخاطب بهذا الخطاب نحن. ثم قال بعده: { ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَـٰئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ } وكلمة { ثُمَّ } تفيد التراخي، فظاهر الآية يقتضي أن أمر الملائكة بالسجود لآدم وقع بعد خلقنا وتصويرنا، ومعلوم أنه ليس الأمر كذلك، فلهذا السبب اختلف الناس في تفسير هذه الآية على أربعة أقوال: الأول: أن قوله: { وَلَقَدْ خَلَقْنَـٰكُمْ } أي خلقنا أباكم آدم وصورناكم، أي صورنا آدم { ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَـٰئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ } وهو قول الحسن ويوسف النخوي وهو المختار، وذلك لأن أمر الملائكة بالسجود لآدم تأخر عن خلق آدم وتصويره، ولم يتأخر عن خلقنا وتصويرنا أقصى ما في الباب أن يقال: كيف يحسن جعل خلقنا وتصويرنا كناية عن خلق آدم وتصويره؟ فنقول: إن آدم عليه السلام أصل البشر، فوجب أن تحسن هذه الكناية نظيره قوله تعالى:وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَـٰقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ } [البقرة: 63] أي ميثاق أسلافكم من بني إسرائيل في زمان موسى عليه السلام، ويقال: قتلت بنو أسد فلاناً، وإنما قتله أحدهم. قال عليه السلام: ثم أنتم يا خزاعة قد قتلتم هذا القتيل، وإنما قتله أحدهم، وقال تعالى مخاطباً لليهود في زمان محمد صلى الله عليه وسلم:

السابقالتالي
2