الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقَالَ مُوسَىٰ يٰفِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { حَقِيقٌ عَلَىٰ أَنْ لاَّ أَقُولَ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } * { قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ }

في الآية مسائل: المسألة الأولى: اعلم أنه كان يقال لملوك مصر: الفراعنة، كما يقال لملوك فارس: الأكاسرة، فكأنه قال: يا ملك مصر، وكان اسمه قايوس، وقيل: الوليد بن مصعب بن الريان. المسألة الثانية: قوله: { إِنّى رَسُولٌ مّن رَّبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } فيه إشارة إلى ما يدل على وجود الإله تعالى. فإن قوله: { رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } يدل على أن العالم موصوف بصفات لأجلها افتقر إلى رب يربيه، وإله يوجده ويخلقه. ثم قال: { حَقِيقٌ عَلَىَّ أَنْ لآ أَقُولَ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ } والمعنى أن الرسول لا يقول إلا الحق، فصار نظم الكلام. كأنه قال: أنا رسول الله، ورسول الله لا يقول إلا الحق، ينتج أني لا أقول إلا الحق، ولما كانت المقدمة الأولى خفية، وكانت المقدمة الثانية جلية ظاهرة، ذكر ما يدل على صحة المقدمة الأولى، وهو قوله: { قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيّنَةٍ مّن رَّبّكُمْ } وهي المعجزة الظاهرة القاهرة. ولما قرر رسالة نفسه فرع عليه تبليغ الحكم، وهو قوله: { فَأَرْسِلْ مَعِىَ بَنِى إِسْرٰءيلَ } ولما سمع فرعون هذا الكلام قال: { إِن كُنتَ جِئْتَ بِـئَايَةٍ فَأْتِ بِهَا إِن كُنتَ مِنَ } واعلم أن دليل موسى عليه السلام كان مبنياً على مقدمات: إحداها: أن لهذا العالم إلهاً قادراً عالماً حكيماً. والثانية: أنه أرسله إليهم بدليل أنه أظهر المعجز على وفق دعواه، ومتى كان الأمر كذلك، وجب أن يكون رسولاً حقاً. والثالثة: أنه متى كان الأمر كذلك كان كل ما يبلغه من الله إليهم، فهو حق وصدق. ثم إن فرعون ما نازعه في شيء من هذه المقدمات إلا في طلب المعجزة، وهذا يوهم أنه كان مساعداً على صحة سائر المقدمات، وقد ذكرنا في سورة طه أن العلماء اختلفوا في أن فرعون هل كان عارفاً بربه أم لا؟ ولمجيب أن يجيب، فيقول: إن ظهور المعجزة يدل أولاً على وجود الإله القادر المختار، وثانياً: على أن الإله جعله قائماً مقام تصديق ذلك الرسول، فلعل فرعون كان جاهلاً بوجود الإله القادر المختار، وطلب منه إظهار تلك البينة حتى أنه إن أظهرها وأتى بها كان ذلك دليلاً على وجود الإله أولاً، وعلى صحة نبوته ثانياً، وعلى هذا التقدير: لا يلزم من اقتصار فرعون على طلب البينة، كونه مقراً بوجود الإله الفاعل المختار. المسألة الثالثة: قرأ نافع { حقيق عَلَىَّ } مشدد الياء والباقون بسكون الياء والتخفيف. أما قراءة نافع { فحقيق } يجوز أن يكون بمعنى فاعل. قال الليث: حق الشيء معناه وجب، ويحق عليك أن تفعل كذا، وحقيق علي أن أفعله، بمعنى فاعل. والمعنى: واجب علي ترك القول على الله إلا بالحق، ويجوز أن يكون بمعنى مفعول، وضع فعيل في موضع مفعول.

السابقالتالي
2