الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ } * { وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ } * { هَمَّازٍ مَّشَّآءٍ بِنَمِيمٍ } * { مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ } * { عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ }

وفيه مسألتان: المسألة الأولى: قال الليث: الإدهان اللين والمصانعة والمقاربة في الكلام، قال المبرد: داهن الرجل في دينه وداهن في أمره إذا خان فيه وأظهر خلاف ما يضمر، والمعنى تترك بعض ما أنت عليه مما لا يرضونه مصانعة لهم فيفعلوا مثل ذلك ويتركوا بعض مالا ترضى فتلين لهم ويلينون لك، وروى عطاء عن ابن عباس: لو تكفر فيكفرون. المسألة الثانية: إنما رفع { فَيُدْهِنُونَ } ولم ينصب بإضمار أن وهو جواب التمني لأنه قد عدل به إلى طريق آخر وهو أن جعل خبر مبتدأ محذوف أي فهم يدهنون كقوله:فَمَن يُؤْمِن بِرَبّهِ فَلاَ يَخَافُ } [الجن: 13] على معنى ودوا لو تدهن فهم يدهنون حينئذ، قال سيبويه: وزعم هارون وكان من القراء أنها في بعض المصاحف: ودوا لو تدهن فيدهنوا. واعلم أنه تعالى لما نهاه عن طاعة المكذبين، وهذا يتناول النهي عن طاعة جميع الكفار إلا أنه أعاد النهي عن طاعة من كان من الكفار موصوفاً بصفات مذمومة وراء الكفر، وتلك الصفات هي هذه: الصفة الأولى: كونه حلافاً، والحلاف من كان كثير الحلف في الحق والباطل، وكفى به مزجرة لمن اعتاد الحلف ومثله قوله:وَلاَ تَجْعَلُواْ ٱللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَـٰنِكُمْ } [البقرة: 224]. الصفة الثانية: كونه مهيناً، قال الزجاج: هو فعيل من المهانة، ثم فيه وجهان أحدهما: أن المهانة هي القلة والحقارة في الرأي والتمييز والثاني: أنه إنما كان مهيناً لأن المراد الحلاف في الكذب، والكذاب حقير عند الناس. وأقول: كونه حلافاً يدل على أنه لا يعرف عظمة الله تعالى وجلاله، إذ لو عرف ذلك لما أقدم في كل حين وأوان بسبب كل باطل على الاستشهاد باسمه وصفته ومن لم يكن عالماً بعظمة الله وكان متعلق القلب بطلب الدنيا كان مهيناً، فهذا يدل على أن عزة النفس لا تحصل إلا لمن عرف نفسه بالعبودية، وأن مهانتها لا تحصل إلا لمن غفل عن سر العبودية. الصفة الثالثة: كونه همازاً وهو العياب الطعان، قال المبرد: هو الذي يهمز الناس أي يذكرهم بالمكروه وأثر ذلك يظهر العيب، وعن الحسن يلوي شدقيه في أقفية الناس وقد استقصينا القول فيه في قوله:وَيْلٌ لّكُلّ هُمَزَةٍ } [الهمزة: 1]. الصفة الرابعة: كونه مشاء بنميم أي يمشي بالنميمة بين الناس ليفسد بينهم، يقال: نم ينم وينم نماً ونميماً ونميمة. الصفة الخامسة: كونه مناعاً للخير وفيه قولان: أحدهما: أن المراد أنه بخيل والخير المال والثاني: كان يمنع أهله من الخير وهو الإسلام، وهذه الآية نزلت في الوليد بن المغيرة، وكان له عشرة من البنين وكان يقول لهم وما قاربهم لئن تبع دين محمد منكم أحد لا أنفعه بشيء أبداً فمنعهم الإسلام فهو الخير الذي منعهم، وعن ابن عباس أنه أبو جهل وعن مجاهد: الأسود بن عبد يغوث، وعن السدي: الأخنس بن شريق.

السابقالتالي
2