الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ ٱلرَّحْمَـٰنِ مِن تَفَاوُتٍ فَٱرْجِعِ ٱلْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ }

أما دليل القدرة فهو قوله: { ٱلَّذِى خَلَقَ سَبْعَ سَمَـٰوَاتٍ طِبَاقاً } وفيه مسائل: المسألة الأولى: ذكر صاحب «الكشاف» في { طِبَاقاً } ثلاثة أوجه أولها: طباقاً أي مطابقة بعضها فوق بعض من طابق النعل إذا خصفها طبقاً على طبق، وهذا وصف بالمصدر وثانيها: أن يكون التقدير ذات طباق وثالثها: أن يكون التقدير طوبقت طباقاً. المسألة الثانية: دلالة هذه السموات على القدرة من وجوه أحدها: من حيث إنها بقيت في جو الهواء معلقة بلا عماد ولا سلسلة وثانيها: من حيث إن كل واحد منها اختص بمقدار معين مع جواز ما هو أزيد منه وأنقص وثالثها: أنه اختص كل واحد منها بحركة خاصة مقدرة بقدر معين من السرعة والبطء إلى جهة معينة ورابعها: كونها في ذواتها محدثة وكل ذلك يدل على استنادها إلى قادر تام القدرة. وأما دليل العلم فهو قوله: { مَّا تَرَىٰ فِى خَلْقِ ٱلرَّحْمَـٰنِ مِن تَفَـٰوُتٍ فَٱرْجِعِ ٱلْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ } وفيه مسائل: المسألة الأولى: قرأ حمزة والكسائي { مِن تَفَـوت } والباقون { مِن تَفَـاوُتٍ } ، قال الفراء: وهما بمنزلة واحدة مثل تظهر وتظاهر، وتعهد وتعاهد، وقال الأخفش: { تَفَـٰوُتٍ } أجود لأنهم يقولون: تفاوت الأمر ولا يكادون يقولون: تفوت، واختار أبو عبيدة: { تَفَـوت } ، وقال: يقال تفوت الشيء إذا فات، واحتج بما روي في الحديث أن رجلاً تفوت على أبيه في ماله. المسألة الثانية: حقيقة التفاوت عدم التناسب كأن بعض الشيء يفوت بعضه ولا يلائمه ومنه قولهم: تعلق متعلق متفاوت ونقيضه متناسب، وأما ألفاظ المفسرين فقال السدي: من تفاوت أي من اختلاف عيب، يقول الناظر: لو كان كذا كان أحسن، وقال آخرون: التفاوت الفطور بدليل قوله بعد ذلك: { فَٱرْجِعِ ٱلْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ } نظيره قوله:وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ } [ق: 6] قال القفال: ويحتمل أن يكون المعنى: ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت في الدلالة على حكمة صانعها وأنه لم يخلقها عبثاً. المسألة الثالثة: الخطاب في قوله: { مَّا تَرَىٰ } إما للرسول أو لكل مخاطب وكذا القول في قوله: { فَٱرْجِعِ ٱلْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ ثُمَّ اْرجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئًا }. المسألة الرابعة: قوله: { طِبَاقاً } صفة للسموات، وقوله بعد ذلك: { مَّا تَرَىٰ فِى خَلْقِ ٱلرَّحْمَـٰنِ مِن تَفَـٰوُتٍ } صفة أخرى للسموات والتقدير خلق سبع سموات طباقاً ما ترى فيهن من تفاوت إلا أنه وضع مكان الضمير قوله: { خَلْقِ ٱلرَّحْمَـٰنِ } تعظيماً لخلقهن وتنبيهاً على سبب سلامتهن من التفاوت، وهو أنه خلق الرحمن وأنه بباهر قدرته هو الذي يخلق مثل ذلك الخلق المتناسب. المسألة الخامسة: اعلم أن وجه الاستدلال بهذا على كمال علم الله تعالى هو أن الحس دل أن هذه السموات السبع، أجسام مخلوقة على وجه الإحكام والإتقان، وكل فاعل كان فعله محكماً متقناً فإنه لا بد وأن يكون عالماً، فدل هذه الدلالة على كونه تعالى عالماً بالمعلومات فقوله: { مَّا تَرَىٰ فِى خَلْقِ ٱلرَّحْمَـٰنِ مِن تَفَـٰوُتٍ } إشارة إلى كونها محكمة متقنة.

السابقالتالي
2