قوله: { تَوْبَةً نَّصُوحاً } أي توبة بالغة في النصح، وقال الفراء: نصوحاً من صفة التوبة والمعنى توبة تنصح صاحبها بترك العود إلى ما تاب منه، وهو أنها الصادقة الناصحة ينصحون بها أنفسهم، وعن عاصم، { نَّصُوحاً } بضم النون، وهو مصدر نحو العقود، يقال: نصحت له نصحاً ونصاحة ونصوحاً، وقال في «الكشاف»: وصفت التوبة بالنصح على الإسناد المجازي، وهو أن يتوبوا عن القبائح نادمين عليها غاية الندامة لا يعودون، وقيل: من نصاحة الثوب، أي خياطته و { عَسَىٰ رَبُّكُمْ } إطماع من الله تعالى لعباده. وقوله تعالى: { يَوْم لاَّ يُخْزِي ٱللَّهُ ٱلنَّبِيَّ } نصب بيدخلكم، و { لا يخزي } تعريض لمن أخزاهم الله من أهل الكفر والفسق واستحماد للمؤمنين على أنه عصمهم من مثل حالهم، ثم المعتزلة تعلقوا بقوله تعالى: { يَوْم لاَّ يُخْزِي ٱللَّهُ ٱلنَّبِيَّ } وقالوا: الإخزاء يقع بالعذاب، فقد وعد بأن لا يعذب الذين آمنوا، ولو كان أصحاب الكبائر من الإيمان لم نخف عليهم العذاب، وأهل السنة أجابوا / عنه بأنه تعالى وعد أهل الإيمان بأن لا يخزيهم، والذين آمنوا ابتداء كلام، وخبره { يَسْعَىٰ } ، أو { لا يخزي الله } ، ثم من أهل السنة من يقف على قوله: { يَوْم لاَّ يُخْزِي ٱللَّهُ ٱلنَّبِيَّ } أي لا يخزيه في رد الشفاعة، والإخزاء الفضيحة، أي لا يفضحهم بين يدي الكفار، ويجوز أن يعذبهم على وجه لا يقف عليه الكفرة، وقوله: { بَيْنِ أَيْدِيهِمْ } أي عند المشي { وَبِأَيْمَـٰنِهِم } عند الحساب، لأنهم يؤتون الكتاب بأيمانهم وفيه نور وخير، ويسعى النور بين أيديهم في موضع وضع الأقدام وبأيمانهم، لأن خلفهم وشمالهم طريق الكفرة. وقوله تعالى: { يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا } قال ابن عباس: يقولون ذلك عند إطفاء نور المنافقين إشفاقاً، وعن الحسن: أنه تعالى متمم لهم نورهم، ولكنهم يدعون تقرباً إلى حضرة الله تعالى، كقوله:{ وَٱسْتَغْفِـرْ لِذَنبِكَ } [محمد: 19] وهو مغفور، وقيل: أدناهم منزلة من نوره بقدر ما يبصر مواطىء قدمه، لأن النور على قدر الأعمال فيسألون إتمامه، وقيل: السابقون إلى الجنة يمرون مثل البرق على الصراط، وبعضهم كالريح، وبعضهم حبواً وزحفاً، فهم الذين يقولون: { رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا } قاله في «الكشاف»، وقوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَـٰهِدِ ٱلْكُفَّـٰرَ وَٱلْمُنَـٰفِقِينَ } ذكر المنافقين مع أن لفظ الكفار يتناول المنافقين { وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ } أي شدد عليهم، والمجاهدة قد تكون بالقتال، وقد تكون بالحجة تارة باللسان، وتارة بالسنان، وقيل: جاهدهم بإقامة الحدود عليهم، لأنهم هم المرتكبون الكبائر، لأن أصحاب الرسول عصموا منها { وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ } وقد مر بيانه، وفي الآية مباحث: البحث الأول: كيف تعلق { يا أيها الّذين آمنوا } بما سبق وهو قوله: