الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُواْ ٱلْعِدَّةَ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْرِى لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً }

{ يأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُواْ ٱلْعِدَّةَ }. أما التعلق بما قبلها فذلك أنه تعالى قال في أول تلك السورة:لَهُ ٱلْمُلْكُ وَلَهُ ٱلْحَمْدُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [التغابن: 1] والملك يفتقر إلى التصرف على وجه يحصل منه نظام الملك، والحمد يفتقر إلى أن ذلك التصرف بطريق العدل والإحسان في حق المتصرف فيه وبالقدرة على من يمنعه عن التصرف وتقرير الأحكام في هذه السورة متضمن لهذه الأمور المفتقرة إليها تضمناً لا يفتقر إلى التأمل فيه، فيكون لهذه السورة نسبة إلى تلك السورة، وأما الأول بالآخر فلأنه تعالى أشار في آخر تلك السورة إلى كمال علمه بقوله:عَـٰلِمُ ٱلْغَيْبِ } [التغابن: 18] وفي أول هذه السورة إلى كمال علمه بمصالح النساء وبالأحكام المخصوصة بطلاقهن، فكأنه بين ذلك الكلي بهذه الجزئيات، وقوله: { يأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنّسَاءَ } عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق حفصة فأتت إلى أهلها فنزلت، وقيل: راجعها فإنها صوامة قوامة وعلى هذا إنما نزلت الآية بسبب خروجها إلى أهلها لما طلقها النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله في هذه الآية: { وَلاَ يَخْرُجْنَ مِن بُيُوتِهِنَّ } وقال الكلبي: إنه عليه السلام غضب على حفصة لما أسر إليها حديثاً فأظهرته لعائشة فطلقها تطليقة فنزلت، وقال السدي: نزلت في عبد الله بن عمر لما طلق امرأته حائضاً والقصة في ذلك مشهورة وقال مقاتل: إن رجالاً فعلوا مثل ما فعل ابن عمر، وهم عمرو بن سعيد بن العاص وعتبة بن غزوان فنزلت فيهم، وفي قوله تعالى: { يأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنّسَاءَ } وجهان أحدهما: أنه نادى النبي صلى الله عليه وسلم ثم خاطب أمته لما أنه سيدهم وقدوتهم، فإذا خوطب خطاب الجمع كانت أمته داخلة في ذلك الخطاب. قال أبو إسحق: هذا خطاب النبي عليه السلام، والمؤمنون داخلون معه في الخطاب وثانيهما: أن المعنى يا أيها النبي قل لهم: إذا طلقتم النساء فأضمر القول، وقال الفراء: خاطبه وجعل الحكم للجميع، كما تقول للرجل: ويحك أما تتقون الله أما تستحيون، تذهب إليه وإلى أهل بيته و { إِذَا طَلَّقْتُمُ } أي إذا أردتم التطليق، كقوله:إِذَا قمتم إلى الصلاة } [المائدة: 6] أي إذا أردتم الصلاة، وقد مر الكلام فيه، وقوله تعالى: { فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } قال عبد الله: إذا أراد الرجل أن يطلق امرأته، فيطلقها طاهراً من غير جماع، وهذا قول مجاهد وعكرمة ومقاتل والحسن، قالوا: أمر الله تعالى الزوج بتطليق امرأته إذا شاء الطلاق في طهر لم يجامعها فيه، وهو قوله تعالى: { لِعِدَّتِهِنَّ } أي لزمان عدتهن، وهو الطهر بإجماع الأمة، وقيل: لإظهار عدتهن، وجماعة من المفسرين قالوا: الطلاق للعدة أن يطلقها طاهرة من غير جماع، وبالجملة، فالطلاق في حال الطهر لازم، وإلا لا يكون الطلاق سنياً، والطلاق في السنة إنما يتصور في البالغة المدخول بها غير الآيسة والحامل، إذ لا سنة في الصغير وغير المدخول بها، والآيسة والحامل، ولا بدعة أيضاً لعدم العدة بالأقراء، وليس في عدد الطلاق سنة وبدعة، على مذهب الشافعي حتى لو طلقها ثلاثاً في طهر صحيح لم يكن هذا بدعياً بخلاف ما ذهب إليه أهل العراق، فإنهم قالوا: السنة في عدد الطلاق أن يطلق كل طلقة في طهر صحيح.

السابقالتالي
2 3 4