الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } * { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ فَإِن تَولَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } * { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ }

قوله تعالى: { إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } أي بأمر الله قاله الحسن، وقيل: بتقدير الله وقضائه، وقيل: بإرادة الله تعالى ومشيئته، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: بعلمه وقضائه وقوله تعالى: { يَهْدِ قَلْبَهُ } أي عند المصيبة أو عند الموت أو المرض أو الفقر أو القحط، ونحو ذلك فيعلم أنها من الله تعالى فيسلم لقضاء الله تعالى ويسترجع، فذلك قوله: { يَهْدِ قَلْبَهُ } أي للتسليم لأمر الله، ونظيره قوله:ٱلَّذِينَ إِذَا أَصَـٰبَتْهُم مُّصِيبَةٌ } إلى قوله:أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ } [البقرة: 156، 157]، قال أهل المعاني: يهد قلبه للشكر عند الرخاء والصبر عند البلاء، وهو معنى قول ابن عباس رضي الله عنهما يهد قلبه إلى ما يحب ويرضى وقرىء { نهدِ قَلْبَهُ } بالنون وعن عكرمة { يُهْدَ قَلْبَهُ } بفتح الدال وضم الياء، وقرىء { يهدأ } قال الزجاج: هدأ قلبه يهدأ إذا سكن، والقلب بالرفع والنصب ووجه النصب أن يكون مثلمَن سَفِهَ نَفْسَهُ } [البقرة: 130] { وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } يحتمل أن يكون إشارة إلى اطمئنان القلب عند المصيبة، وقيل: عليم بتصديق من صدق رسوله فمن صدقه فقد هدى قلبه: { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ } فيما جاء به من عند الله يعني هونوا المصائب والنوازل واتبعوا الأوامر الصادرة من الله تعالى، ومن الرسول فيما دعاكم إليه. وقوله: { فَإِن تَوَلَّيْتُمْ } أي عن إجابة الرسول فيما دعاكم إليه { فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلْبَلَـٰغُ ٱلْمُبِينُ } الظاهر والبيان البائن، وقوله: { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } يحتمل أن يكون هذا من جملة ما تقدم من الأوصاف الحميدة لحضرة الله تعالى من قوله:لَهُ ٱلْمُلْكُ وَلَهُ ٱلْحَمْدُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [التغابن: 1] فإن من كان موصوفاً بهذه الصفات ونحوها: فهو الذي { لا إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } أي لا معبود إلا هو ولا مقصود إلا هو عليه التوكل في كل باب، وإليه المرجع والمآب، وقوله: { وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } بيان أن المؤمن لا يعتمد إلا عليه، ولا يتقوى إلا به لما أنه يعتقد أن القادر بالحقيقة ليس إلا هو، وقال في «الكشاف»: هذا بعث لرسول الله صلى الله عليه وسلم على التوكل عليه والتقوى به في أمره حتى ينصره على من كذبه وتولى عنه، فإن قيل: كيف يتعلق { مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } بما قبله ويتصل به؟ نقول: يتعلق بقوله تعالى:فآمنوا بالله ورسوله } [التغابن: 8] لما أن من يؤمن بالله فيصدقه يعلم ألا تصيبه مصيبة إلا بإذن الله.