الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُمْ مِّنَ ٱلْحَقِّ يُخْرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ وَأَنَاْ أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ وَمَآ أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ }

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوّى وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ } وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: اعلم أن من جملة ما يتحقق به التعلق بما قبلها هو أنهما يشتركان في بيان حال الرسول صلى الله عليه وسلم مع الحاضرين في زمانه من اليهود والنصارى وغيرهم، فإن بعضهم أقدموا على الصلح واعترفوا بصدقه، ومن جملتهم بنو النضير، فإنهم قالوا: والله إنه النبي الذي وجدنا نعته وصفته في التوراة، وبعضهم أنكروا ذلك وأقدموا على القتال، إما على التصريح وإما على الإخفاء، فإنهم مع أهل الإسلام في الظاهر، ومع أهل الكفر في الباطن، وأما تعلق الأول بالآخر فظاهر، لما أن آخر تلك السورة يشتمل على الصفات الحميدة لحضرة الله تعالى من الوحدانية وغيرها، وأول هذه السورة مشتمل على حرمة الاختلاط مع من لم يعترف بتلك الصفات. المسألة الثانية: أما سبب النزول فقد روي أنها نزلت في حاطب بن أبي بلتعة، لما كتب إلى أهل مكة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتجهز للفتح ويريد أن يغزوكم فخذوا حذركم، ثم أرسل ذلك الكتاب مع امرأة مولاة لبني هاشم، يقال لها سارة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، فقال عليه السلام: " أمسلمة جئت؟ " قالت: لا، قال: " أمهاجرة جئت؟ " قالت: لا، قال: " فما جاء بك؟ " قالت: قد ذهب الموالي يوم بدر ـ أي قتلوا في ذلك اليوم ـ فاحتجت حاجة شديدة فحث عليها بني المطلب فكسوها وحملوها وزودوها، فأتاها حاطب وأعطاها عشرة دنانير وكساها برداً واستحملها ذلك الكتاب إلى أهل مكة، فخرجت سائرة، فأطلع الله الرسول عليه السلام على ذلك، فبعث علياً وعمر وعماراً وطلحة والزبير خلفها وهم فرسان، فأدركوها وسألوها عن ذلك فأنكرت وحلفت، فقال علي عليه السلام: والله ما كذبنا، ولا كذب رسول الله، وسل سيفه، فأخرجته من عقاص شعرها، فجاءوا بالكتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرضه على حاطب فاعترف، وقال: إن لي بمكة أهلاً ومالاً فأردت أن أتقرب منهم، وقد علمت أن الله تعالى ينزل بأسه عليهم، فصدقه وقبل عذره، فقال عمر: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق، فقال صلى الله عليه وسلم: " ما يدريك يا عمر لعل الله تعالى قد اطلع على أهل بدر فقال لهم: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، " ففاضت عينا عمر، وقال: الله ورسوله أعلم فنزلت، وأما تفسير الآية فالخطاب في: { يا أيها الذين آمنوا } قد مر، وكذلك في الإيمان أنه في نفسه شيء واحد وهو التصديق بالقلب أو أشياء كثيرة وهي الطاعات، كما ذهب إليه المعتزلة، وأما قوله تعالى: { لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوّى وَعَدُوَّكُمْ } فاتخذ يتعدى إلى مفعولين، وهما عدوي وأولياء، والعدو فعول من عدا، كعفو من عفا، ولكونه على زنة المصدر أوقع على الجمع إيقاعه على الواحد، والعداوة ضد الصداقة، وهما لا يجتمعان في محل واحد، في زمان واحد، من جهة واحدة، لكنهما يرتفعان في مادة الإمكان، وعن الزجاج والكرابيسي { عَدُوّى } أي عدو ديني، وقال عليه السلام:

السابقالتالي
2 3