الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَٰحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَٰتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ }

هذا نوع رابع من دلائل وجود الإله وكمال قدرته وعلمه، وهو الاستدلال بأحوال الإنسان فنقول لا شبهة في أن النفس الواحدة هي آدم عليه السلام وهي نفس واحدة. وحواء مخلوقة من ضلع من أضلاعه. فصار كل الناس من نفس واحدة وهي آدم. فإن قيل: فما القول في عيسى؟ قلنا: هو أيضاً مخلوق من مريم التي هي مخلوقة من أبويها. فإن قالوا: أليس أن القرآن قد دل على أنه مخلوق من الكلمة أو من الروح المنفوخ فيها فكيف يصح ذلك؟ قلنا: كلمة «من» تفيد ابتداء الغاية ولا نزاع أن ابتداء تكون عيسى عليه السلام كان من مريم وهذا القدر كاف في صحة هذا اللفظ. قال القاضي: فرق بين قوله: { أَنشَأَكُمْ } وبين قوله: { خَلَقَكُمْ } لأن أنشأكم يفيد أنه خلقكم لا ابتداء. ولكن على وجه النمو والشنوء لا من مظهر من الأبوين، كما يقال: في النبات إنه تعالى أنشأه بمعنى النمو والزيادة إلى وقت الانتهاء. وأما قوله: { فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ } ففيه مباحث: البحث الأول: قرأ ابن كثير وأبو عمرو { فَمُسْتَقَرٌّ } بكسر القاف والباقون بفتحها قال أبو علي الفارسي. قال سيبويه، يقال: قر في مكانه واستقر فمن كسر القاف كان المستقر بمعنى القار وإذا كان كذلك وجب أن يكون خبره المضمر «منكم» أي منكم مستقر. ومن فتح القاف فليس على أنه مفعول به لأن استقر لا يتعدى فلا يكون له مفعول به فيكون اسم مكان فالمستقر بمنزلة المقر. وإذا كان كذلك لم يجز أن يكون خبره المضمر «منكم» بل يكون خبره «لكم» فيكون التقدير لكم مقر وأما المستودع فإن استودع فعل يتعدى إلى مفعولين تقول استودعت زيداً ألفاً وأودعت مثله، فالمستودع يجوز أن يكون اسماً للإنسان الذي استودع ذلك المكان ويجوز أن يكون المكان نفسه. إذا عرفت هذا فنقول: من قرأ مستقراً بفتح القاف جعل المستودع مكاناً ليكون مثل المعطوف عليه والتقدير فلكم مكان استقرار ومكان استيداع ومن قرأ { فَمُسْتَقَرٌّ } بالكسر، فالمعنى: منكم مستقر ومنكم مستودع، والتقدير: منكم من استقر ومنكم من استودع. والله أعلم. المبحث الثاني: الفرق بين المستقر والمستودع أن المستقر أقرب إلى النبات من المستودع فالشيء الذي حصل في موضع ولا يكون على شرف الزوال يسمى مستقراً فيه، وأما إذا حصل فيه وكان على شرف الزوال يسمى مستودعاً لأن المستودع في معرض أن يسترد في كل حين وأوان. إذا عرفت هذا فنقول: كثر اختلاف المفسرين في تفسير هذين اللفظين على أقوال: فالأول: وهو المنقول عن ابن عباس في أكثر الروايات أن المستقر هو الأرحام والمستودع الأصلاب قال كريب: كتب جرير إلى ابن عباس يسأله عن هذه الآية فأجاب المستودع الصلب والمستقر الرحم ثم قرأ:

السابقالتالي
2 3