الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ ٱلْحَقُّ وَلَهُ ٱلْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ عَٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْخَبِيرُ }

اعلم أنه تعالى لما بين في الآيات المتقدمة فساد طريقة عبدة الأصنام، ذكر ههنا ما يدل على أنه لا معبود إلا الله وحده وهو هذه الآية، وذكر فيها أنواعاً كثيرة من الدلائل. أولها: قوله { وَهُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ } أما كونه خالقاً للسموات والأرض، فقد شرحنا في قوله: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } وأما أنه تعالى خلقهما بالحق فهو نظير لقوله تعالى في سورة آل عمرانرَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَـٰطِلاً } [آل عمران: 191] وقوله:وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَاء وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ } [الأنبياء: 16]مَا خَلَقْنَـٰهُمَا إِلاَّ بِٱلْحَقّ } [الدخان: 39] وفيه قولان. القول الأول: وهو قول أهل السنة أنه تعالى مالك لجميع المحدثات مالك لكل الكائنات وتصرف للمالك في ملكه حسن وصواب على الإطلاق، فكان ذلك التصرف حسناً على الإطلاق وحقاً على الإطلاق. والقول الثاني: وهو قول المعتزلة أن معنى كونه حقاً أنه واقع على وفق مصالح المكلفين مطابق لمنافعهم. قال القاضي: ويدخل في هذه الآية أنه خلق المكلف أولاً حتى يمكنه الانتفاع بخلق السموات والأرض، ولحكماء الإسلام في هذا الباب طريقة أخرى، وهي أنه يقال: أودع في هذه الأجرام العظيمة قوى وخواص يصدر بسببها عنها آثار وحركات مطابقة لمصالح هذا العالم ومنافعه. وثانيها: قوله: { وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ } في تأويل هذه الآية قولان. الأول: التقدير وهو الذي خلق السموات والأرض وخلق يوم يقول كن فيكون، والمراد من هذا اليوم يوم القيامة، والمعنى أنه تعالى هو الخالق للدنيا ولكل ما فيها من الأفلاك والطبائع والعناصر والخالق ليوم القيامة والبعث ولرد الأرواح إلى الأجساد على سبيل كن فيكون. والوجه الثاني: في التأويل أن نقول قوله: { ٱلْحَقّ } مبتدأ و { يَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ } ظرف دال على الخبر، والتقدير: قوله: { ٱلْحَقّ } واقع { يَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ } كقولك يوم الجمعة القتال، ومعناه القتال واقع يوم الجمعة. والمراد من كون قوله حقاً في ذلك اليوم أنه سبحانه لا يقضي إلا بالحق والصدق، لأن أقضيته منزهة عن الجور والعبث. وثالثها: قوله: { وَلَهُ ٱلْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِى ٱلصُّورِ } فقوله: { وَلَهُ ٱلْمُلْكُ } يفيد الحصر، والمعنى: أنه لا ملك في يوم ينفخ في الصور إلا الحق سبحانه وتعالى، فالمراد بالكلام الثاني تقريراً لحكم الحق المبرأ عن العبث والباطل، والمراد بهذا الكلام تقرير القدرة التامة الكاملة التي لا دافع لها ولا معارض. فإن قال قائل: قول الله حق في كل وقت، وقدرته كاملة في كل وقت، فما الفائدة في تخصيص هذا اليوم بهذين الوصفين؟ قلنا: لأن هذا اليوم هو اليوم الذي لا يظهر فيه من أحد نفع ولا ضر، فكان الأمر كما قال سبحانه: { وَٱلأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } فلهذا السبب حسن هذا التخصيص، ورابعها: قوله: { عَـٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ } تقديره، وهو عالم الغيب والشهادة.

السابقالتالي
2 3